المرأة التي هزمت جيشا
التاريخ : 16/1/2010 الوقت : 09:01
طانا (نابلس) 16-1-2020 وفا- جميل ضبابات
عندما كانت الجرافات الإسرائيلية تدك منزل فريزة نصاصرة وتطيح به واجهة واجهة، كانت المرأة تصنع الجبن بكل هدوء دون أن يرف لها جفن، أو أن تكترث. وعندما أنهى الجنود المدججون بالسلاح، حراس الجرافات مهمتهم، رشت 'المرأة الحديدية' فوق رؤوسهم الحلوى!!.
اعتمدت المرأة الستينية على قوة قلبها، وأخبرت الجنود الذين صاحبوا الجرافات في هدم خربة طانا قرب نابلس بالضفة الغربية وهم منسحبون من ساحة المنزل، أنها كانت 'ستصارع مئة منهم لو كانوا رجالا، مجرد رجال بلا سلاح'.
واقفة فوق كومة تراب فوق أنقاض منزلها المحطم، قالت نصاصرة بعدما اخفت وجهها بغطاء الرأس الأبيض، أنها كانت 'ستطلق زغرودة فوق رؤوس الجيش الإسرائيلي لولا أنها فقدت كل أسنانها'. وهي بذلك تشير لعدم اكتراثها بما فعله الجنود بمنزلها الذي أعادت بناءه على فورها بدعم من الحكومة الفلسطينية.
وبلغت الحصيلة النهائية لعمليات الهدم الواسعة التي نفذتها قوات الاحتلال بالخربة التي ينحدر سكانها من بلدة بيت فوريك على بعد 7 كيلومترات، ثلاثين منشأة تتضمن مدرسة ومنازل 'مبنية من الطوب ومسقوفة بألواح من الصفيح'، إضافة إلى بركسات للأغنام من ضمنها منزل فريزه ومنازل أولادها.
وبهدم هذه المنشآت تم تشريد 180 مواطنا من الخربة، ضمنهم عائلة فريزة المعروفة في الخربة برباطة جأشها.
وسط الشعور بالسخط الذي يسري بين سكان الخربة، كانت فريزة تشرف على أعمال اثنين من أبنائها وهما يمتنان حبال خيمة نصب فوق هيكل حديدي جلبها بعض وزراء الحكومة التي قررت إعادة بنائها.
قالت المرأة فيما تحلق حولها بعض الرجال إنها قبل أن تذهب إلى إعداد الجبن وقت هدمت الجرافات المنزل، كانت تعمل على الانتهاء من إعداد الفطور لأبنائها قبل أن يتوجهوا إلى المرعى.
أضافت'قلت لهم اهدموا. اهدموا كل شيء. كنت اجبّن واصرخ عليهم'. يررد الرجال المعنى ذاته، ويقولون إن أيا من الجنود لم ينبس بأي كلمة فيما كانت فريزه تتوعدهم.
كانت فريزة أخبرت الجنود أنها ستعيد بناء المنزل فورا، وأنهم بهدمهم المسكن لم يفعلوا شيئا يثنيها عن متابعة حياتها.
وبعد ساعات قليلة كانت عائلة المرأة قد أنهت بناء مأوى بسيط، وهي في هذه الأيام في طور تمتين حبال الخيام وتسوية ساحات المنزل المتربة قبل هطول الأمطار.
ومنزل فريزة الجديد مكون من خيمتين وحوله حافة صخرية لتل صغير قطعت صخورها قبل مئات السنين كما يقول السكان، فتحت فيه ثغور أشبه بالكهوف تأوي إليها المواشي ليلاً.
والحكومة الفلسطينية التي أخذت على عاتقها مساعدة أهالي خربة طانا، زار ثلاثة من أعضائها منزل فريزة ووقفوا في ساحته.
وقال المرأة إنها سعدت لرؤية بعض الوزراء يقفون عند عتبة دارها المبنية الآن من الحديد والبلاستيك المقوى. كانت فريزة وعائلتها قبل سنوات تنام في الكهوف قبل بناء المنزل الأخير الذي هدمه جيش الاحتلال.
بدت الكهوف واضحة في محيط المنزل ظهرت، بوابتها وقد تراكم عليها دخان السنوات الطويلة من اثر إشعال الحطب. وتقول المرأة إن أحلامها في البناء واسعة، فهي 'تريد بناء جدران لخيمتها من الطوب، وتريد رصف أرضيته بالاسمنت'.
هذا اليوم، لا يبدو أن هناك وقتا عند فريزة التي تتحزم بزنار أحمر وترتدي ثوبا موردا، للأعمال اليومية مثل إعداد الجبن البلدي وكنس التراب وجلي الأواني.
إنه وقت إعادة بناء ما تم هدمه.
والمساكن التي هدمها جيش الاحتلال في أوسع عملية هدم تطال الخربة الواقعة في منطقة السفوح الشرقية لنابلس، بسيطة إلى حد كبير، باستثناء مدرسة صغيرة كانت مبنية من الطوب والاسمنت.
وقال عاطف حنني رئيس بلدية بيت فوريك التي ينحدر منها سكان طانا 'هذه المباني بسيطة لو ضربتها براحة يدك لتهاوت أرضا. لماذا يهدمونها؟'.
'انظر ماذا يفعلون هناك؟. إنهم يزرعون في طانا اليأس وفي 'مخورا' الورد. في إشارة منه إلى المستوطنة القريبة من الخربة التي يزرع فيها المستوطنون الزهور ويصدرونها.
ويتساءل الرجل فيما قبض راحته ووضعها بقوة فوق طاولة مكتبه 'لماذا علينا الرحيل من المنطقة وهم يسرحون ويمرحون؟. لن نرحل. ما فعلته الحكومة شيء جيد. لقد لمس أعضاؤها التفاؤل في طانا'
كانت فريزة المتفائلة فقدت في حياتها شهيدا بعدما أطلق الجيش الإسرائيلي النار عليه قبل سنوات، وفقدت منزلها بعدما هدمته جرافات الجيش ذاته، لكنها كل مرة تؤكد أنها هي من انتصرت على هذا الجيش.
اليكم الصور