فلسطين اليوم : غزة – رام الله
تعد قضية "تعدد الزوجات"، من الظواهر الاجتماعية اللافتة في المجتمعات العربية عموماً، وفي واقعنا الفلسطيني على وجه الخصوص الذي يشهد ظروفاً اقتصادية صعبة، رغم النظرة المجتمعية السلبية لـ"الزوجة الثانية" أو "الضرة"، فهناك من ينظر إليها كإنسانة ظالمة لاقتحامها عالم امرأة أُخرى لتشاركها زوجها، وقليلون من يرون أنها إنسانة حاصرتها الظروف ودفعتها للقبول بذلك، وتحمل نظرة المجتمع السلبية ونيران الحقد.
فتناولنا لهذه الظاهرة ليس من باب الدفاع عن "الضرة"، فالأمر حسمه الشرع، وحلله بضوابط تختص بأصحاب الشأن، كما أننا لسنا بصدد تجريمها، ولا اتهامها، بقدر ما نحاول تسليط الضوء على أشكال النظرة إليها، بالإضافة إلى الوقوف على دوافع المرأة للقبول بأن تكون "ضرةً" لأخرى رغم علمها المسبق أن هذا الزواج قد يكون مليئاً بالمصاعب.
نعم الأسباب والملابسات تختلف، فهناك من أجبرتهن ظروف معينة على حمل لقب "الزوجة الثانية"، في حين أن بعضهن اخترن ذلك بدافع الحب والتقدير، بينما كانت القسمة والنصيب حاضرةً في حكايات كثيرات ممن خضن التجربة.
مرافعة دفاعية
"لم أنتهك الدين ولا العرف، ولم أضرب رجلاً على يده، كي يتزوجني"، بهذه الكلمات، تجيب منى. س – وتعمل محامية- عن السؤال حول دوافعها لقبول الزواج بمتزوج، وإذ تبدو في إجاباتها وكأنها تقدم مرافعة دفاعية، تقول: "ما الذي يمكن أن يربط المرأة برجل متزوج ويجعلها تضحي بحقها في زوج مستقل وحياة طبيعية أسرية، ما لم تكن مقتنعة بأنه الوحيد الذي يمكن أن يسعدها؟".
وتستنكر منى النظرة الظالمة التي تواجهها الزوجة الثانية من الناس "الذين لا يبالون بالظروف التي قد تضطر المرأة إلى الزواج برجل تتقاسمه امرأة ثانية، بقدر ما يهتمون بمهاجمتها"، لكنها، وعلى الرغم من ذلك، تؤكد أنها "غير نادمة على الإطلاق" نتيجة ارتباطها برجل متزوج وله أبناء.
وتضيف :"لست نادمة أبداً، ولن أغيّر قراري حتى ولو عاد الزمن إلى الوراء، فأنا أشعر بأن حبي له ولعائلتي يزداد مع الوقت".
تجربة فاشلة
أما التجربة الفاشلة التي عاشتها منال – وتعمل محاسبةً في أحد البنوك- في زواجها الأول، جعلتها تعاني الأمرين نتيجة حالة الوحدة التي تعيشها ونظرة المجتمع إليها كمطلقة. لكن، عندما ظهر رجل متزوج في حياتها حارت بين الرغبة في القبول بالزواج به وإنهاء رحلة عذابها، وبين الظروف الاجتماعية لهذا الرجل بصفته متزوجاً ولديه عائلة.
وتقول:"ظل يتردد على بيت أهلي مدة عامين، وقبلت الاقتران به، بعد أن تأكدت من صدق نواياه"، لافتة إلى أنه (زوجها) بنى لها منزلاً بالقرب من منزل أهله الذين تقطن زوجته الأولى معهم.
أما المشكلة الأبرز التي واجهت منال، فتتجلى في الوقت القليل الذي يمنحه زوجها لها، إضافةً إلى عدم تقبل أهله فكرة التواصل معها بسبب تضامنهم مع زوجته الأولى التي هي إحدى قريباته.
بحسرة ومرارة، تتحدث منال عن تجربتها، شاكيةً أنها تجد نفسها وحيدة في معظم الأيام. وتقول: "زوجي يزورني كالضيف، لذلك أنا لا أحظى إلاّ بما تبقى عنده من وقت وعاطفة، ومع ذلك فأنا متهمة بأنني خطفته، هذا على الأقل ما أقرأه في عيون الآخرين
، واللافت، أن منال تعترف بأنها تشعر "ببعض الندم" بسبب ارتباطها برجل متزوج، مؤكدة أنها "لن تعيد الكرة" لو عاد بها الزمن إلى الوراء.
إنه القدر
ولم يخطر في بال سامية -وتعمل باحثة في إحدى الجامعات- أنها ستكون زوجة ثانية ذات يوم، ذلك أن العديد من العرسان تقدموا لها، لكنها كانت ترفضهم جميعاً. لكنه القدر، جعلها ترتبط بعلاقة عاطفية مع مديرها في العمل، وهو أب لأربعة أبناء.
"وجدت فيه نضجاً لم أجده في الآخرين. أما خبرته الطويلة في الحياة، فمنحتني أمان الزوج والأب"، تقول سامية مبررة أسباب قبولها بالزواج برجل متزوج، وتضيف: "أنا لم أخطفه، خصوصاً أن فكرة الزواج الثاني كانت مطروحة في حياته، سواء وجدت أنا أم لا".
وتتابع: "عندما تأكدت من عدم توافقه مع زوجته الأولى وتعاسته معها، رضيت بالزواج به" وتؤكد سامية أن زوجها "لم يخيب ظنها، وحقق لها الكثير من السعادة التي تنشدها". لكنها تعود لتعترف بأن "المنغصات والمشكلات أخذت تظهر مع الأيام، وذلك بعد أن سخرت زوجته كل إمكاناتها للتهجم عليَّ وتلطيخ سمعتي"، وتتابع: "للأسف، لقد شارك أولاده في حملة العداء ضدي، وباتوا يرسلون لي مسجات عبر الجوال، يتهمونني فيها بأنني خطفت والدهم منهم".
على الرغم مما تقدم، تقسم سامية بأنها كانت تدفع زوجها إلى الاهتمام بأسرته، مؤكدةً أنها لم تقبل أن يتخلى عن زوجته الأولى وأولاده "على الرغم من أن ذلك كان على حسابي"، كما تقول، لافتة إلى أنها لا تهتم بنظرة المجتمع إليها، "مادمت متأكدة من أن خياري كان صحيحاً"، وتقول: "أنا لم ارتكب جريمة، لكنني مارست حقي في اختيار ما اعتقدت أنه سعادتي، وهذا ليس عيباً أو حراماً، خصوصاً أنه حصل أمام الناس ووفق الشرع والقانون".
قسمة ونصيب
حين تتحدث أم ماجد عن تجربتها، تصر على القول إن زواجها برجل متزوج لم يكن أكثر من "قسمة ونصيب". وتضيف: "لم أخطط للأمر، ولم تخطر هذه الفكرة في بالي يوماً، وكل ما في الأمر أنه تقدم لخطبتي، فاقتنعت بشخصيته وقبلت".
ورداً على سؤال حول حظوظ استمرار الزواج الثاني، تقول أم ماجد:" إن احتمالات فشل هذا الزواج تخضع للظروف المحيطة، ولذلك لا نستطيع أن نجزم أن نصيبه من النجاح أقل من الزواج الأول".
خيانة قاسية
وبعيداً عن ما تقدم من أسباب ودوافع للزوج المتزوج بامرأة ثانية، ثمة غضب كامن في نفوس أغلبية النساء، سرعان ما يظهر لدى سؤالهن عن رأيهن في الموضوع. ذلك أنهن يجمعن على أن في الأمر "خيانة كبيرة"، ويبدأن كيل الاتهامات للرجال بالأنانية واللامبالاة.
وفي هذا السياق، لا تجد حنين مسعود -ربة منزل متزوجة منذ عامين- أي مبررات تجيز للرجال المتزوجين البحث عن رفيقة جديدة.
وإذ تؤكد أنها ترى في الزوجة الثانية "شريكاً أساسياً في خيانة الزوج لزوجته". تتهمها في الوقت نفسه "بتهديد استقرار واحدة من بنات جنسها"، لافتةً إلى أن ذلك يجعل من المستحيل تقبل فكرة أن تكون لديها نوايا حسنة.
وعلى الرغم من اعتراف حنين بأن الزواج برجل متزوج "هو حق شرعي للمرأة"، إلاّ أنها تصر في المقابل على أنه "خيانة قاسية، تنسف جهد وصبر الزوجة الأولى، التي تقاسمت الحلو والمر مع شريك العمر".
رفض وتفهم وتعاطف
سوء الظن بنوايا "الزوجة الثانية"، لا يقتصر على المتزوجات، إنما ينتقل أيضاً إلى العازبات اللواتي ترفض كثيرات منهن الفكرة من أساسها.
ومن هؤلاء مها موسى، التي تؤكد أنها "لا تتقبل فكرة أن تكون زوجة ثانية"، وتقول: "لا أتخيل نفسي أشارك أي امرأة زوجها، كما أنني لا أقبل أن تشاركني امرأة أُخرى زوجي".
وتؤكد موسى أن قبول المرأة بهذا الوضع "يكشف عن طبع أناني، وتفكير أحادي"، لافتة إلى أن "على المرأة التي تقدم على هذه الخطوة ألا تتذمر من نظرة الناس إليها".
وتجنباً لهذه النظرة السلبية، لا تنصح شذى الحوراني النساء بخوض هذه التجربة على الإطلاق، لكن موقفها هذا لا يمنعها من النظر بموضوعية إلى "الزوجة الثانية"، على أساس أن "من الظلم التعميم والقول إنها امرأة ظالمة أو معتدية، فلكل إنسانة ظروفها التي قادتها إلى هذا الموقف".
كذلك، يبدو أن تجربة الزوجة الثانية لم تفقد نصيبها من التعاطف الأنثوي تماماً، فحين تستعيد نادين الريحاوي تجربة أمها كزوجة ثانية، تبدو أكثر تعاطفاً مع الوضع، وتقول: "بغض النظر عن الأسباب التي تقود المرأة إلى القبول بأن تكون زوجة ثانية، فهي ليست مذنبة في كل الأحوال، لأن الزوج هو الذي يختار شريكة حياته، ومن حقها هي القبول بمن تراه مناسباً لها، وبالتالي هي لم تسهم في ظروفه الخاصة التي أملت هذا الخيار".
وتوافقها نوال ريان الرأي، وذلك بقولها :"إنه لو كان الرجل يعيش سعادة حقيقية مع زوجته الأولى، لما كانت هناك مساحة لأي امرأة أُخرى في حياته".
مظلومة في أي حال
في المقابل، يرقى التعاطف مع الزوجة الثانية لدى بعض النساء إلى درجة الدفاع المستميت عنها، حيث ترى عبير عادل، أن تبرئة ساحة الزوجة أو إدانتها، "أمر نسبي يختلف بين حالة وأُخرى بحسب الظروف المحيطة، التي جعلتها تلجأ إلى هذا الخيار".
وتقول: "هناك أرامل ومطلقات وعوانس، تقل فرصهن في الزواج برجال عازبين، وعندها يكون الرجل المتزوج هو الحل، فهل نحاسبهن على رغبتهن في الاستقرار، وحماية أنفسهن، في مجتمع لا يرحم من هن في مثل ظروفهن".
وتشير عبير إلى أن "المرأة مظلومة، في كل أوضاعها الاجتماعية، ففي حال بقيت عازبة، تتناولها الألسن وتتساءل لماذا لم تتزوج. وفي حال كانت مطلقة، تتناقل الألسن أخبارها ويشار إليها بالبنان ويبدأ الناس تداول سيرتها. أما في حال أصبحت زوجة ثانية، فيسارعون إلى اتهامها بالأنانية".
من هذا المنطلق، ترفض عبير أن تسجل إدانة مطلقة للزوجة الثانية، وتقول: "صحيح أن الكثيرين يتهمونها بسرقة الزوج من عائلته ويعتبرونها دخيلة على الأسرة وسبباً في تفككها، لكن كل شيء نسبي، والزمن هو الكفيل بتبيان حقيقة الأمور