بنات غزة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بنات غزة

لتواصل مع البابا علي الاميل m2011m06@hotmail.com

2 مشترك

    غزوة بدر الكبرى

    محمدالقصاص
    محمدالقصاص
    المـديـر العـــام2
    المـديـر العـــام2


    ذكر

    عدد المساهمات : 2045
    تاريخ التسجيل : 30/03/2010
    العمر : 34
    الموقع : mmm200589@hotmail.com
    المزاج : الا بزكر الله تطمين القلوب
    العمل/الترفيه : طالب جامعي

    غزوة بدر الكبرى Empty غزوة بدر الكبرى

    مُساهمة من طرف محمدالقصاص 2010-04-15, 15:54

    غزوة بدر الكبرى
    أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة
    سبب
    الغزوة:
    قد أسلفنا في ذكر غزوة العشيرة أن عيراً لقريش أفلتت من النبي
    صلى الله عليه وسلم في ذهابها من مكة إلى الشام، ولما قرب رجوعها من الشام
    إلى مكة بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد اللَّه وسعيد بن
    زيد إلى الشمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصلا إلى الحوراء، ومكثا حتى مر
    بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا إلى المدينة، وأخبرا رسول اللَّه صلى الله
    عليه وسلم بالخبر.
    كانت العير محمَّلة بثرواتٍ طائلة من أهل مكة، ألف
    بعير موقرة بالأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من
    الحرس إلا نحو أربعين رجلاً.
    إنها فرصة ذهبية لعسكر المدينة، وضربة
    عسكرية وسياسية واقتصادية قاصمة ضد المشركين لو أنهم فقدوا هذه الثروة
    الطائلة، لذلك أعلن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المسلمين قائلاً هذه
    عير قريش فيها أموالهم، فاخرجو إليها لعل اللَّه ينفلكموها.
    ولم يعزم
    على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لأنه لم يكن يتوقع عند هذا
    الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير - هذا الاصطدام العنيف في بدر،
    ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضي رسول اللَّه صلى
    الله عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا الماضية، ولذلك
    لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغزوة.
    مبلغ قوة الجيش الإسلامي وتوزيع
    القيادات:
    واستعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة
    وبضعة عشر رجلاً 313، أو 314، 317 رجلاً 82 أو 83 أو 86 من المهاجرين و 61
    من الأوس و 170 من الخزرج. ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفالاً بليغاً، ولا
    اتخذوا أهبتهم كاملة، فلم يكن معهم إلا فرسان، فرس للزبير بن العوام، وفرس
    للمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيراً ليتعاقب الرجلان
    والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد
    بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون بعيراً واحداً.
    واستخلف على المدينة وعلى
    الصلاة ابن أم مكتوم، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة ابن عبد المنذر،
    واستعمله على المدينة.
    ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير
    القرشي العبدري، وكان هذا اللواء أبيض.
    وقسم جيشه إلى كتيبتين:
    1.
    كتيبة المهاجرين، وأعطى علمها لعلي بن أبي طالب.
    2. كتيبة الأنصار،
    وأعطى علمها لسعد بن معاذ.
    وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام،
    وعلى الميسرة المقداد بن عمرو - وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش كما
    أسلفنا - وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصع، وظلت القيادة العامة في يده صلى
    الله عليه وسلم كقائد أعلى للجيش.
    الجيش الإسلامي يتحرك نحو بدر:
    سار
    رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا الجيش غير المتأهب، فخرج من نقب
    المدينة، ومضى على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة، حتى بلغ بئر الروحاء
    ولما ارتحل منها ترك طريق مكة بيسار، وانحرف ذات اليمين على النازية يريد
    بدراً فسلك في ناحية منها حتى جذع وادياً يقال له رحقان بين النازية وبين
    مضيق الصفراء، ثم مر على المضيق ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، وهناك بعث
    بسيْسَ بن عمر الجهني وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتجسسان له
    أخبار العير.
    النذير في مكة:
    وأما خبر العير فإن أبا سفيان - وهو
    المسؤول عنها - كان على غاية من الحيطة والحذر فقد كان يعلم أن طريق مكة
    محفوف بالأخطار، وكان يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان. ولم يلبث أن
    نقلت إليه استخباراته بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه
    ليوقع بالعير، وحينئذ استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة
    مستصرخاً لقريش بالنفير إلى غيرهم، ليمنعوه من محمد صلى الله عليه وسلم
    وأصحابه، وخرج ضمضم سريعاً حتى أتى مكة، فصرخ ببطن الوادي واقفاً على
    بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش،
    اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى
    أن تدركوها، الغوث الغوث.
    قوام الجيش المكي:
    وكان قوام هذا الجيش
    نحو ألف وثلاثمائة مقاتل في بداية سيره، وكان معه مائة فرس وستمائة درع،
    وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط، وكان قائده العام أبا جهل بن هشام، وكان
    القائمون بتموينه تسعة رجال من أشراف قريش، فكانوا ينحرون يوماً تسعاً
    ويوماً عشراً من الإبل.
    العير تفلت:
    وكان من قصة أبي سفيان أنه كان
    يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذراً متيقظاً، وضاعف حركاته
    الاستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره حتى لقي مجدي بن عمرو وسأله عن
    جيش المدينة، فقال: ما رأيت أحداً أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا
    إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فبادر أبو سفيان إلى
    مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذه واللَّه
    علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعاً، وضرب وجهها محولاً اتجاهها نحو الساحل
    غرباً، تاركاً الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار وبهذا نجا بالقافلة
    من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في
    الجحفة.


    حراجة موقف الجيش الإسلامي:
    أما استخبارات جيش
    المدينة فقد نقلت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - وهو لا يزال في
    الطريق بوادي ذقران - خبر العير والنفير، وتأكد لديه بعد التدبر في تلك
    الأخبار أنه لم يبق مجال للاجتناب عن لقاء دام، وأنه لا بد من إقدام يبنى
    على الشجاعة والبسالة، والجراءة والجسارة، فمما لا شك فيه أنه لو ترك جيش
    مكة يجوس خلال تلك المنطقة يكون ذلك تدعيماً لمكانة قريش العسكرية،
    امتداداً لسلطانها السياسي، وإضعافاً لكلمة المسلمين وتوهيناً لها، بل ربما
    تبقى الحركة الإسلامية بعد ذلك جسداً لا روح فيه، ويجرؤ على الشر كل من
    فيه حقد أو غيظ على الإسلام في هذه المنطقة.
    وبعد هذا كله فهل يكون هناك
    أحد يضمن للمسلمين أن يمنع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة، حتى ينقل
    المعركة إلى أسوراها، ويغزو المسلمين في عقر دارهم كلا فلو حدث من جيش
    المدينة نكول ما لكان له أسوأ الأثر على هيبة المسلمين وسمعتهم.
    المجلس
    الاستشاري:
    ونظراً إلى هذا التطور الخطير المفاجىء عقد رسول اللَّه صلى
    الله عليه وسلم مجلساً عسكرياً استشارياً أعلى، أشار فيه إلى الوضع الراهن،
    وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه، وقادته. وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس،
    وخافوا اللقاء الدامي، وهم الذين قال اللَّه فيهم {كَمَا أَخْرَجَكَ
    رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
    لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ
    كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال: 5-6]
    وأما قادة الجيش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب
    فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللَّه امض لما أراك
    اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت
    وربك فقاتلا إنَّا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما
    مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه
    حتى تبلغه.
    فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له به.
    وهؤلاء
    القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين، وهم أقلية في الجيش، فأحب رسول اللَّه
    صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي قادة الأنصار، لأنهم كانوا يمثلون أغلبية
    الجيش، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم، مع أن نصوص العقبة لم تكن
    تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة
    أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار، وفطن ذلك قائد الأنصار وحامل
    لوائهم سعد بن معاذ، فقال
    ... واللَّه لكأنك تريدنا يا رسول اللَّه؟
    قال:
    أجل.
    قال: فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق،
    وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول اللَّه
    لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك،
    ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إن لصبر في الحرب،
    صدق في اللقاء، ولعل اللَّه يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة
    اللَّه.
    وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
    لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني
    أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فأظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من
    شئت وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا
    مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فواللَّه لئن سرت حتى
    تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك، وواللَّه لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته
    لخضناه معك.
    فسر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك،
    ثم قال: سيروا وأبشروا فإن اللَّه تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه
    لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.
    الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم
    بعملية الاستكشاف:
    وهناك قام بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار
    أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، وبينما هما يتجولان حول معسكر مكة إذا هما
    بشيخ من العرب، فسأله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد
    وأصحابه - سأل عن الجيشين زيادة في التكتم - ولكن الشيخ قال: لا أخبركما
    حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا
    أخبرتنا أخبرناك، قال: أو ذاك بذلك؟ قال: نعم.
    قال الشيخ فإنه بلغني أن
    محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم
    بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش المدينة - وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم
    كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان
    الذي به جيش مكة.
    ولما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال له رسول اللَّه
    صلى الله عليه وسلم نحن من ماء، ثم انصرف عنه، وبقي الشيخ يتفوه، ما من
    ماء؟ أمن ماء العراق؟

    نزول المطر:
    وأنزل اللَّه عز وجل في تلك
    الليلة مطراً واحداً، فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم،
    وكان على المسلمين طلا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض،
    وصلب به الرمل، وثبت الأقدام، ومهد به المنزل، وربط به على قلوبهم.
    الجيش
    الإسلامي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية:
    وتحرك رسول اللَّه صلى الله
    عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء
    عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر كخبير
    عسكري وقال: يا رسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكم اللَّه ليس
    لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو
    الرأي والحرب والمكيدة.
    قال: يا رسول اللَّه، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض
    بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم - قريش - فننزله ونغوّر - أين نخرب - ما
    وراءه من القلب - ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا
    يشربون، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي.
    فنهض
    رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو فنزل
    عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من القلب.

    مقر
    القيادة:
    وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على
    رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقراً لقيادته استعداداً
    للطوارىء وتقديراً للهزيمة قبل النصر، حيث قال:
    يا نبي اللَّه ألا نبني
    لك عريشاً تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا اللَّه
    وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك
    فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي اللَّه ما نحن بأشد
    لك حباً منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك اللَّه بهم
    يناصحونك ويجاهدون معك.
    فأثنى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
    خيراً ودعا له بخير، وبنى المسلمون عريشاً على تل مرتفع يقع في الشمال
    الشرقي لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة.
    كما تم انتخاب فرقة من
    شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
    حول مقر قيادته.
    تعبئة الجيش وقضاء الليل:
    ثم عبأ رسول اللَّه صلى
    الله عليه وسلم جيشه ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان
    غدا إن شاء اللَّه، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه ثم بات رسول اللَّه
    صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك. وبات المسلمون ليلهم هادىء
    الأنفاس منير الآفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم، يأملون
    أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحاً {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً
    مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ
    بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى
    قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: 11].
    كانت هذه
    الليلة ليلة الجمعة، السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة،
    وكان خروجه في 8 أو 12 من نفس الشهر.
    الجيشان يتراآن:
    ولما طلع
    المشركون وتراآى الجمعان قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللهم هذه
    قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي
    وعدتني، اللهم أحنهم الغداة وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورأى
    عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر - إن يكن في أحد من القوم خير فعند
    صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا.
    وعدل رسول اللَّه صلى الله عليه
    وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يده قدح
    يعدل به، وكان سواد بن غزية مستنصلاً من الصف. فطعن في بطنه بالقدح وقال:
    استو يا سواد، فقال سواد يا رسول اللَّه أوجعتني فأقدني، فكشف عن بطنه،
    وقال: استقد، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال:
    يا رسول اللَّه قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي
    جلدك. فدعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخير.
    ولما تم تعديل
    الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بأن لا يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر
    الأخيرة، ثم أدلى إليهم بتوجيه خاص في أمر الحرب فقال: إذا أكثبوكم - يعني
    كثروكم - فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم، ثم رجع إلى
    العريش هو وأبو بكر خاصة، وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب
    العريش.
    أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال: اللهم
    اقطعنا للرحم وآتنا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك
    وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل اللَّه {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ
    جَاءَكُمْ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ
    تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ
    كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].
    ساعة
    الصفر وأول وقود المعركة:
    وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد
    المخزومي - وكان رجلاً شرساً سيء الخلق - خرج قائلاً أعاهد اللَّه لأشربن
    من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد
    المطلب رضي اللَّه عنه، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون
    الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى
    اقتحم فيه يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو
    داخل الحوض.
    المبارزة:
    وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج
    بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة
    ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج
    إليهم ثلاثة من شباب الأنصار، عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما عفراء - وعبد
    اللَّه بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكفاء
    كرام. ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم يا محمد،
    أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قم يا
    عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من
    أنتم؟ فأخبروهم فقالوا: أنتم أكفاءٌ كرام، فبارز عبيدة - وكان أسن القوم -
    عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد، فأما حمزة وعلي فلم
    يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن
    كل واحد منهما صاحبه، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة، قد
    قطعت رجله، فلم يزل صمتاً حتى مات بالصفراء بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة
    بدر حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة.
    وكان علي يقسم باللَّه
    أن هذه الآيات نزلت فيهم {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}
    [الحج: 19].
    الهجوم العام:
    وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة
    بالنسبة إلى المشركين، فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة،
    فاستشاطوا غضباً، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد.
    وأما المسلمون فبعد
    أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين
    المتوالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا
    بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون أحد أحد.
    الرسول صلى الله عليه وسلم
    يناشد ربه:
    وأما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد
    تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول اللهم أنجز لي ما وعدتني،
    اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، حتى إذا حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب بشدة
    واحتدم القتال وبلغت المعركة قمتها قال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم
    لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. وبالغ في الابتهال حتى سقط
    رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق وقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على
    ربك.
    وأوحى اللَّه إلى ملائكته {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ
    آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:
    12] وأوحى إلى رسوله {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ
    مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] أي أنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضاً أرسالاً،
    لا يأتون دفعة واحدة.
    نزول الملائكة:
    وأغفى رسول اللَّه صلى الله
    عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على
    ثناياه النقع (أي الغبار) وفي رواية محمد بن إسحاق قال رسول اللَّه صلى
    الله عليه وسلم أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر اللَّه، هذا جبريل أخذ بعنان
    فرسه يقوده، على ثناياه النقع.
    ثم خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
    من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ
    الدُّبُرَ} [القمر: 45] ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً وقال:
    شاهت الوجوه، ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه
    ومنخريه وفمه من تلك القبضة، في ذلك أنزل اللَّه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
    رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].


    إبليس ينسحب
    عن ميدان القتال:
    ولما رأى إبليس - وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك
    بن جعشم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت - فلما رأى ما
    يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام - وهو
    يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هارباً، وقال له المشركون
    إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: إني أرى ما
    لا ترون، إني أخاف اللَّه واللَّه شديد العقاب، ثم فر حتى ألقى نفسه في
    البحر.
    الهزيمة الساحقة:
    وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف
    المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من
    نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون
    ظهورهم يأسرون ويقتلون حتى تمت عليهم الهزيمة.
    صمود أبي جهل:
    أما
    الطاغية الأكبر أبو جهل، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول
    أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه، ويقول لهم في شراسة ومكابرة لا
    يهزمنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل
    عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم
    بالحبال، ولا ألفين رجلاً منكم قتل منهم رجلاً، ولكن خذوهم أخذاً حتى
    نعرفهم بسوء صنيعهم.
    ولكن سرعان ما تبدى له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث
    إلا قليلاً حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين. نعم بقي حوله
    عصابة من المشركين ضربت حولهسياجاً من السيوف وغابات من الرماح، ولكن
    عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا
    الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه
    بأيدي غلامين أنصاريين.
    مصرع أبي جهل:
    قال عبد الرحمن بن عوف إني لفي
    الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني
    لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه يا عم، أرني أبا جهل،
    فقلت: يا ابن أخي، فما تصنعبه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول اللَّه صلى الله
    عليه وسلم ، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت
    الأعجل منا، فتعجبت لذلك. قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن
    نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني
    عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول اللَّه
    صلى الله عليه وسلم ، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما أنا قتلته، هل
    مسحتما سيفيكما؟ فقالا لا فنظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السيفين
    فقال: كلاكما قتله، وقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن
    عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء.
    وقال
    ابن إسحاق قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة -
    والحرجة الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح
    المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة - وهم يقولون
    أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما
    أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه - أطارتها - بنصف ساقه، فواللَّه
    ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها.
    قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي،
    وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني
    وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل - وهو عقير
    - معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل.
    ولما
    انتهت المعركة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ينظر ما صنع أبو
    جهل؟ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه وبه
    آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك اللَّه
    يا عدو اللَّه؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل
    قتلتموه؟ وقال: فلو غير أكار قتلني، ثم قال: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟
    قال: للَّه ورسوله، ثم قال لابن مسعود - وكان قد وضع رجله على عنقه - لقد
    ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة.
    وبعد
    أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول اللَّه
    صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول اللَّه، هذا رأس عدو اللَّه أبي جهل،
    فقال: اللَّه الذي لا إله إلا هو؟ فرددها ثلاثاً، ثم قال: اللَّه أكبر،
    الحمد للَّه الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه،
    فانطلقنا فأريته إياه، فقال: هذا فرعون هذه الأمة.
    وقتل عمر بن الخطاب
    رضي اللَّه عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة.
    ونادى أبو بكر
    الصديق رضي اللَّه عنه ابنه عبد الرحمن - وهو يومئذ مع المشركين - فقال:
    أين مالي يا خبيث؟ فقال عبد الرحمن:
    كانت أول وقعة أوقعها اللَّه بأهل
    الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلي من استبقاء الرجال
    انتهت
    المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة إلى المشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين
    وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين
    وثمانية من الأنصار.
    أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم
    سبعون وأسر سبعون. وعامتهم القادة والزعماء والصناديد.
    ولما انقضت الحرب
    أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال: بئس
    العشيرة كنتم لنبيكم. كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس،
    وأخرجتموني وآواني الناس، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.

    مكة
    تتلقى نبأ الهزيمة:
    فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة،
    تبعثروا في الوديان والشعاب واتجهوا صوب مكة مذعورين، لا يدرون كيف
    يدخلونها خجلاً.
    قال ابن إسحاق وكان أول من قدم بمصاب قريش الحيسمان بن
    عبد اللَّه الخزاعي، فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن
    ربيعة وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف في رجال من الزعماء سماهم، فلماأخذ
    يعد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر واللَّه إن يعقل هذا.
    فاسألوه عني قالوا: ما فعل صفوان بن أمية قال: ها هو ذا جالس في الحجر،
    وقد واللَّه رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
    وقال أبو رافع - مولى رسول
    اللَّه صلى الله عليه وسلم - كنت غلاماً للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل
    البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه،
    وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر كبته اللَّه وأخزاه، ووجدنا
    في أنفسنا قوةً وعزاً، وكنت رجلاً ضعيفاً أعمل الأقداح، أنحتها في حجرة
    زمزم، فواللَّه إني لجالس فيها أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل جالسة، وقد
    سرنا ما جاءنا من الخبر، إذا أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب
    الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن
    الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهب هلم إلي، فعندك لعمري
    الخبر، قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه. فقال: يا ابن أخي أخبرني كيف كان
    أمر الناس؟ قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف
    شاؤوا، ويأسروننا كيف شاؤوا. وايم اللَّه مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجال
    بيض على خيل بلق بين السماء والأرض، واللَّه ما تليق شيئاً، ولا يقوم لها
    شيء.
    قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت تلك واللَّه الملائكة.
    قال: فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني فضرب
    بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أم الفضل إلى عمود
    من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فعلت في رأسه شجة منكرة، وقالت:
    استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام مولياً ذليلاً، فواللَّه ما عاش إلا سبع
    ليال حتى رماه اللَّه بالعدسة فقتلته وهي قرحة تتشاءم بها العرب، فتركه
    بنوه، وبقي ثلاثة أيام لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة
    في تركه حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى
    واروه.
    وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات
    الكاذبة، حتى إنهم أشاعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما رأى
    أحد المنافقين زيد بن حارثة راكباً القصواء - ناقة رسول اللَّه صلى الله
    عليه وسلم - قال: لقد قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما
    يقول من الرعب، وجاء فلاّ.
    فلما بلغ الرسولان أحاط بهما المسلمون،
    وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح المسلمين، فعمت البهجة
    والسرور، واهتزت أرجاء المدينة تهليلاً وتكبيراً، وتقدم رؤوس المسلمين -
    الذين كانوا بالمدينة - إلى طريق بدر، ليهنئوا رسول اللَّه صلى الله عليه
    وسلم - بهذا الفتح المبين.
    قال أسامة بن زيد أتانا الخبر حين سوينا
    التراب على رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان
    بن عفان، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.


    قضية
    الأسارى:
    ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة استشار
    أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر يا رسول اللَّه هؤلاء بنو العم والعشيرة
    والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على
    الكفار، وعسى أن يهديهم اللَّه، فيكونوا لنا عضداً.
    فقال رسول اللَّه
    صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت واللَّه ما أرى ما رأى
    أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن
    علياً من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب
    عنقه، حتى يعلم اللَّه أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين وهؤلاء صناديدهم
    وأئمتهم وقادتهم.
    فهوى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر،
    ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر فغدوت إلى
    النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، هما يبكيان، فقلت يا رسول اللَّه
    أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت
    لبكائكما، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للذي عرض عليّ أصحابك من
    أخذهم الفداء، فقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة.
    وأنزل
    اللَّه تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى
    يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ
    الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ
    لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67-68].
    واستقر
    الأمر على رأي الصديق فأخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف درهم
    إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا
    يكتبون فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم،
    فإذا حذقوا فهو فداء.
    ومن على ختنه أبي العاص بشرط أن يخلي سبيل زينب،
    وكانت قد بعثت في فدائه بمال، بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة، أدخلته
    بها على أبي العاص، فلما رآها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رق لها رقة
    شديدة، واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول اللَّه صلى
    الله عليه وسلم على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب، فخلاها، فهاجرت، وبعث
    رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار، فقال:
    كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها، فخرجا حتى رجعا بها. وقصة
    هجرتها طويلة مؤلمة.
    وكان في الأسرى سهيل بن عمرو، وكان خطيباً مصقعاً،
    فقال عمر يا رسول اللَّه، انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يدلع لسانه، فلا يقوم
    خطيباً عليك في موطن أبداً، بيد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رفض هذا
    الطلب، احترازاً عن المثلة وعن بطش اللَّه يوم القيامة.
    وفي السنة
    الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان، وفرضت زكاة الفطر، وبينت أنصبة الزكاة
    الأخرى، وكانت فريضة زكاة الفطر وتفصيل أنصبة الزكاة الأخرى؛ تخفيفاً لكثير
    من الأوزار التي يعانيها عدد كبير من المهاجرين اللاجئين الذين كانوا
    فقراء لا يستطيعون ضرباً في الأرض.
    ومن أحسن المواقع وأروع الصُّدف أن
    أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2هـ إثر
    الفتح المبين الذي حصلوا عليه في غزوة بدر، فما أروق هذا العيد السعيد
    الذي جاء به اللَّه بعد أن توج هامتهم بتاج الفتح والعز، وما أروع منظر تلك
    الصلاة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير
    والتوحيد والتحميد، وقد فاضت قلوبهم رغبة إلى اللَّه، وحنينا إلى رحمته
    ورضوانه بعد ما أولاهم من النعم، وأيدهم به من النصر، وذكرهم بذلك قائلاً:
    {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ
    تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ
    بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
    [الأنفال: 26
    بابا
    بابا
    المـديـر العـــام
    المـديـر العـــام


    ذكر

    عدد المساهمات : 2757
    تاريخ التسجيل : 24/06/2009
    العمر : 34
    الموقع : منتديات عائلة القصاص
    المزاج : أخر روقان
    العمل/الترفيه : طالب جامعي

    غزوة بدر الكبرى Empty رد: غزوة بدر الكبرى

    مُساهمة من طرف بابا 2010-04-15, 17:33

    يسلمووو أخى محمد على الموضوع الرائع
    والمميز والله يا أخوة نحن نحتاج الى رجال مثل هؤلاء الدين ضحوو بانفسهم
    فدا لدين وفدى الاسلام العظيم
    Anonymous
    ????
    زائر


    غزوة بدر الكبرى Empty رد: غزوة بدر الكبرى

    مُساهمة من طرف ???? 2010-05-13, 09:51

    تيحاتى الك
    محمدالقصاص
    محمدالقصاص
    المـديـر العـــام2
    المـديـر العـــام2


    ذكر

    عدد المساهمات : 2045
    تاريخ التسجيل : 30/03/2010
    العمر : 34
    الموقع : mmm200589@hotmail.com
    المزاج : الا بزكر الله تطمين القلوب
    العمل/الترفيه : طالب جامعي

    غزوة بدر الكبرى Empty رد: غزوة بدر الكبرى

    مُساهمة من طرف محمدالقصاص 2010-05-16, 23:58

    كل الشكر لك اخي ابو نزار وانتا محمد حسين علي المنرور المتوادع


    تحياتي للجميع

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-11-25, 00:22