كمبردج (ولاية ماساتشوستس الأميركية):
* كانت الموسيقى والشفاء يسيران جنبا إلى جنب يوما ما. فالرموز الكتابية الخاصة بالطب في اللغة الصينية تضم رموزا موسيقية. وفي بلاد الإغريق، وظفت الموسيقى لتقليل التوتر، وتسريع الخلود إلى النوم، وتخفيف الألم. كما استخدم سكان أميركا الأصليون والأفارقة، الغناء وترديد الأهازيج، كجزء من عملية الشفاء.
إلا أن هذا الترابط تم كسره تدريجيا في الطب الغربي عندما انحسر «فن الطب» أمام قوة «علم الطب». ولكن، يبدو أن الأمور تعيد نفسها الآن مع ظهور تأكيدات على أهمية طرق العلاج بالموسيقى في معالجة الأشخاص الذين تتراوح أمراضهم من المصابين بمرض الألزهايمر للخرف، إلى الآلام المزمنة أو المعانية من الإدمان.
وقد ركز الباحثون منذ عام 1980، اهتماماتهم على دراسة تأثيرات الموسيقى على القلب والأوعية الدموية. إلا أن أغلبهم كانوا يدققون في قيم متغير واحد فقط، مثل التغيرات في مقدار ضغط الدم المرتفع، أو معدل ضربات القلب، أو تدفق الدم في الشرايين.
* تأثيرات الموسيقى
* لكن بعض الدراسات دققت في التأثيرات المتعددة الجوانب للموسيقى. ومنها على سبيل المثال:
في مستشفى ماساتشوستس، وجد فريق ترأسته إحدى الممرضات، أن ضغط الدم قد انخفض لدى مرضى القلب الذين لا يتحركون من سريرهم، عند استماعهم إلى الموسيقى لمدة 30 دقيقة، كما انخفض معدل ضربات قلبهم، وقل شعورهم بالألم مقارنة بالآخرين الذين لم يستمعوا إلى الموسيقى.
في جامعة وسكنسن - ميلواوكي، وجد فريق آخر ترأسته ممرضة أيضا أن الأشخاص الناجين من النوبات القلبية الذين استمعوا إلى موسيقى هادئة في ظروف من الهدوء لمدة 20 دقيقة فقط، كانوا أقل قلقا حول صحتهم، مقارنة بالآخرين الذين كانوا في نفس الظروف، ولم يستمعوا إلى الموسيقى.
في مستشفى أبوت نورثويسترن في مينيابوليس، ظهر أن المرضى من الرجال والنساء، الذين خضعوا لعمليات في القلب، واستمعوا إلى الموسيقى بعدها مباشرة، كانوا أقل قلقا، كما أشاروا إلى قلة معاناتهم من الألم مقارنة بالآخرين.
في المركز الطبي لجامعة ماريلاند في بالتيمور، قاس باحثون تدفق الدم عبر ساعد اليد (لتقرير سلامة الأوعية الدموية) لمتطوعين كانوا يستمعون إلى موسيقى أو إلى تسجيلات موسيقية للاسترخاء. وقد ازداد تدفق الدم بشكل ملحوظ عندما استمع المتطوعون إلى الموسيقى التي كانت تبعث على السرور والاسترخاء، فيما قل تدفقه عند الاستماع إلى موسيقى مثيرة للقلق.
في دراسة من هونغ كونغ، استمع متطوعون من الكبار إلى الموسيقى لمدة 25 دقيقة على مدى 4 أسابيع، وظهر أن مقدار ضغط الدم الانقباضي (المقدار الأعلى) انخفض بـ12 نقطة، فيما انخفض مقدار ضغط الدم الانبساطي (المقدار الأدنى) بـ5 نقاط. ولم يسجل أي تغيير في مقادير ضغط الدم لدى المشاركين في مجموعة مراقبة لم يستمعوا إلى الموسيقى.
* مشكلة الموسيقى
* إلا أن التجارب لم تكن كلها ناجحة، فقد وجد الكثير منها أن الموسيقى تؤثر قليلا على مؤشرات فسيولوجية مثل معدل ضربات القلب أو ضغط الدمن أو على سرعة الشفاء بعد إجراء عمليات القلب.
ولا تثير هذه النتائج المتناقضة الدهشة، فالعقبة الكبرى في دراسة تأثيرات الموسيقى على القلب، هي الموسيقى نفسها! فالموسيقى ليست «علاجا» أحادي الجانب، يمكن تكراره، مثل تناول حبة من دواء الستاتين (العقار الخافض للكولسترول)، أو إجراء تمارين ضبط التنفس بهدف تقليل التوتر. وأيضا فإن الموسيقى الهادئة لها تأثيرات على القلب تختلف عن تأثيرات الموسيقى الصاخبة. كما أن الموسيقى لها جانب شخصي، فالاستماع إلى أنواعها يتعلق بذوق الإنسان.
ويتمثل أحد التوجهات الحالية لتوظيف الموسيقى كعلاج، في دراسة تأثير بعض الأصوات والنغمات على القلب بغض النظر عن الذوق الموسيقي للمريض. وبهذا فإن العثور على لحن موسيقي مثير للاسترخاء، يكون بمقدوره خفض معدل ضربات القلب، وخفض ضغط الدم، وتحسين تدفق الدم، لأي شخص من الأشخاص سواء كان من عشاق الأوبرا أو من عشاق موسيقى «الروك أند رول»، سيسهل لنا توظيف «طرق العلاج بالموسيقى».
* توجهات حديثة
* توظف طرق العلاج بالموسيقى حاليا بشكل شائع للأشخاص الذين يخضعون لعمليات جراحية في القلب وعلى الذين يتماثلون للشفاء من النوبة القلبية، أو الذين يتعلمون على التعايش مع عجز القلب، على المعانين من أمراض القلب الأخرى.
في مؤسسة «مايوكلينك» مثلا، يوفر «برنامج تعزيز الشفاء» الموسيقى (مع طرق التدليك والاسترخاء) للأشخاص الذين يخضعون لجراحات في القلب. وتقول سوزان كاتشال الممرضة الإكلينيكية المتخصصة المشرفة على البرنامج: «إننا نشجع المرضى على الاستماع إلى الموسيقى قبل، وفي أثناء، وبعد، العملية الجراحية».
وتشير دراسات المؤسسة إلى أن الموسيقى تخفف الألم والقلق كما أنها تعوق وصول أصوات المستشفى المشوشة والمزعجة إلى المرضى. ويتعاون البرنامج مع موسيقيين متخصصين لوضع ألحان موسيقية للاسترخاء غنية بأصوات الطبيعة تشعر المستمعين لها، كأنهم خارج ردهات المستشفى.
التطبيق المهم الآخر للعلاج بالموسيقى يساعد المرضى على التعايش مع مشكلاتهم القلبية، سواء كانوا يتماثلون للشفاء من آثار النوبة القلبية أو أنهم يعانون الذبحة الصدرية أو عجز القلب، يُجرى في مستشفى محلي صغير في أوهايو. وتشرف على هذا العلاج سوزان هانسر رئيسة قسم الموسيقى العلاجية في كلية بيركلي في بوسطن.
وقد وجد فريق هانسر أن إضافة العلاج بالموسيقى إلى وسائل إعادة التأهيل المعتمدة الخاصة بمرضى القلب أدّت إلى التحكم الأفضل بضغط الدم وإلى تحسن الصحة عموما. كما ظهر تحسن في النوم وخفض للتوتر وانحسار في القلق.
الاتجاه الثالث هذا العلاج يقوده ميلفورد غريفس الرائد في هذا المجال. وغريفس هو موسيقي جاز عالمي وبروفسور في كلية بننغتون عكف لسنوات على دراسة موسيقى القلب. وقد استخدم في دراساته سماعة طبية خاصة مصممة بمجسات استشعار لرصد كهربائية القلب، مع برنامج كومبيوتري وذلك بهدف تحديد الإيقاعات الخاصة بكل مريض! ويرصد غريفس بمساعدة أداته هذه أنغام القلب العادية والشاذة. ثم يقوم بوضع «نغم مضاد» لتلك الأنغام الشاذة، يوجه لإعادة تدريب القلب. ويتم توصيل النغم المضاد عبر الإبر الصينية! ويقول الدكتور باروتش كراوس الأستاذ المساعد في طب الأطفال في كلية الطب في هارفارد الذي درس مع غريفيس: «كما يكون بمقدورك أن تميز فورا، لحنا نشازا صادرا من آلة للكمان أو البيانو، فإن ميلفورد غريفس يمكنه أيضا تمييز النشاز في ضربات القلب»! إلا أننا بانتظار نتائج علمية للاختبارات على هذه التوجهات.
* رسالة هارفارد للقلب
* خدمات «تريبيون ميديا»
* التأمل والصلاة.. وسائل أخرى لتسريع الشفاء
* الموسيقى لا تعتبر الوحيدة من بين الوسائل، التي يجري الترويج لها، الموجهة لشفاء الجسم والعقل. ومن بين تلك الوسائل الأخرى:
* التأمل الفائق: ممارسة فن التأمل الفائق transcendental meditation يمكنها خفض ضغط الدم، وتحسين مستويات سكر الدم والأنسولين، وتخفيف التوتر. ويمكن لطرق الاسترخاء الأخرى مثل اليوغا أو الاسترخاء تأدية نفس المهمات.
* التدليك: خففت عملية تدليك بسيطة تمت بعد إجراء عمليات جراحة القلب، من مستوى الألم، وفقا لدراسة من «مايوكلينك». لكن لا تزال تأثيرات التدليك الأخرى على القلب غير معروفة.
* «تاي تشي»: إدماج عدد من الإجراءات في رياضة «تاي تشي» (tai chi) مسألة بسيطة، فهي تشمل إجراء حركات انسيابية مع التنفس بعمق. وهي توفر شكلا آمنا من الرياضة التجديدية المنشطة للمصابين بعجز القلب.
* تصورات موجهة: هي برنامج مخصص لتوجيه الأفكار والافتراضات في منحى معين يساعد الشخص على تصور أنه موجود في وضع من الاسترخاء المركز. وبمقدور البرنامج خفض ضغط الدم، وتخفيف المشكلات الأخرى الناجمة عن التوتر.
* الصلاة: الصلاة بمقدورها دفع الإنسان إلى الاسترخاء، مما يخفف التوتر.
* روح المرح: الضحك قد يكون دواء جيدا لزيادة تدفق الدم. وقد أظهرت دراسة في جامعة ماريلاند أن تدفق الدم تحسن لدى متطوعين تابعوا مشاهد سينمائية مضحكة.