الوردة السمراء
سادت الكآبة في منزل أهل عادل ، وارتسمت ملامح الوجوم حتى على وجه أخيه
الصغير الذي لم يجد من يلاعبه ويلاطفه ، عندما سمعوا بوفاة عمهم عبد الله
0 لم يقطع الصمت الطويل إلا صوت أبو عادل الذي كاد يجهش بالبكاء : سنسافر
اليوم إلى القرية 0
شعر عادل بحزن إضافي لأنه لا يعرف أحدا" في القرية ، ولا حتى أفراد أسرة عمه الذين رآهم منذ أكثر من أربع سنوات مصادفة 0
فقال لأبيه : سأبقى هنا في المنزل 0
ثم شعر بالارتياح وهو تخيل نفسه وحيدا" في البيت ، يفعل ما يحلو له دون
موجه أو رقيب 0 لكن والده أصر على أن يذهب برفقة العائلة ، لا سيما أنه
كبير إخوته ، ويجب أن يقوم بواجب العزاء تجاه أسرة عمه ، وأنهى والده
كلامه بقوله : كن رجلا" 0000 ولا تتصرف كالأولاد 0لم يشأ حتى الاعتراض على
والده المفجوع بموت أخيه 0
عندما وصلوا منزل عمهم المتوفى التقوا بأقاربهم جميعهم وقد هرعوا من كل
مكان لحضور الجنازة 0 أدرك هنا عادل أن رأي أبيه كان صائبا" فقد كان
التعرف على الأقارب أمرا" جيدا" برغم أجواء الحزن المسيطرة على الجميع 0
لم يعد يذكر كيف بدأ يشعر بجمال أصغر بنات عمه المتوفى ، فلم تقدر الثياب
السوداء ، أو العيون المحمرة من كثرة البكاء، أو ملامح الحزن الشديد على
وجهها الأسمر على إخفاء جمالها الرائع بل أضفى عليه لمسة من حنان فياض ،
مما جعله يتساءل : أين كنت كل هذه السنوات غائبا" عن هذا الجمال ؟!
كان كلما التقت عيونهم في نظرة عابرة ، يراها تخفض عينيها وقد احمرّ وجهها
فسأل نفسه : أتخجل من نظراتي 0000 ؟ أم هي غاضبة من سلوكي هذا 0000 ؟
وما عساها تفكر في هذا الوقت وهي المفجوعة بوفاة والدها ؟! رآها منفردة في
إحدى حجرات المنزل تتأمل صورة والدها المعلقة على الجدار وهي تذرف الدموع
بصمت 0 اقترب منها وأخذ يخفف عنها حزنها ويواسيها 0
انتهت أيام العزاء وعادوا من القرية وصورة وجهها الأسمر الناعم لم تفارقه
، لاحظ والده أن ابنه يجلس في غرفته منزويا" عن باقي أفراد العائلة ويريد
أن يصرّح لهم بشيء لكنه متردد0 قطع عليه والده عزلته ودخل ليعرف ما هي
حكاية ابنه فسأله بحيرة عن تصرفه هذا ! فأجابه أحببتها ، نعم أحببت ابنة
عمي الصغيرة وأريد الذهاب إلى القرية لأراها وأبوح بحبي لها 0 فرد والده :
الوقت غير ملائم وعمك لم يمض على وفاته أقل من شهران لم يقنع من كلام
والده 0
وصل إلى القرية طلب أن يجلس مع وردته السمراء ، اقترب منها وابتسم لها فخفضت بصرها عندها وجد نفسه يهمس بأذنها كلمة واحدة : أحبك !
على الرغم عنها افترت شفتاها الرقيقتان عن ابتسامة باهتة لمتها بسرعة ثم
قالت بغضب مصطنع لا يليق بوجهها الوديع : برأيك هل الوقت مناسب لهذا
الكلام ؟!
خمّن أن غضبها غير حقيقي ، بل ناتج عن عدم اللباقة في طرح مثل هذه
المواضيع في هذا الوقت فقال متصنعا" جديّة مبالغا" فيها : يكفي حزنا" 000
لماذا لا نتزوج ؟ حدّقت به بعينين اتسعتا دهشة ، وارتسمت ملامح الذهول على
وجهها الجميل فأضاف مؤكدا" : كي نكوّن أسرة وننجب أطفالا" 0 لم تقدر على
منع نفسها من الضحك بصوت عال سرعان ما خفضته 0 ربما لأنها تخيلت أنها
والدة طفل صغير وأسمته على اسم والدها 0 فرفع يده ومسح على رأسها وقال :
أحبك 0