وكالات-فلسطين اليوم
علمت «الشرق الأوسط» أن الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية سعتا، أمس، إلى ممارسة ضغوط سرية على المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، لإثنائه عن تنظيم رحلة لسفينة مساعدات ليبية متجهة إلى غزة. فيما قال مسؤول بمؤسسة القذافي للتنمية التي يترأسها نجل القذافي، المشرفة على رحلة السفينة التي تنقل مساعدات إنسانية، إن الرحلة قائمة إلى وجهتها الأصلية غزة وليس إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، كما زعمت وزارة خارجية الإحتلال.
وكان يوسف الصوان، المدير التنفيذي لمؤسسة القذافي للتنمية، الموجود في ميناء لافور جنوب اليونان، أفاد لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، بأن السفينة كان مقررا لها أن تبحر في الساعة الثامنة والنصف من مساء أمس بالتوقيت المحلي لليونان، إذا لم تحدث مفاجآت غير متوقعة. وإزاء الضغوط التي شاركت فيها عدة أطراف أميركية وإسرائيلية وغربية بدا أن المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي رئيس مؤسسة القذافي للتنمية، لا يزال حتى مساء أمس صامدا في مواجهة محاولات إقناعه بالعدول عن إرسال السفينة.
ونقل مسؤول ليبي عن سيف الإسلام القذافي قوله «كل هذا لا يهمني. لست خائفا ولا مرتعدا من هذه الأشياء. مهمتنا إنسانية لعمل الخير، ولسنا في عمل عسكري أو إرهابي».
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر ليبية رفيعة المستوى أن جين كيرتز، السفير الأميركي في العاصمة الليبية طرابلس الذي أجرى اتصالا مع مدير عام مؤسسة القذافي، قد قدم احتجاجا رسميا على رعاية مؤسسة القذافي للسفينة، وأبلغه استهجان واستنكار إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما لما وصفه بالعمل الاستفزازي. وقال كيرتز إن اتصاله جاء بطلب من وزارة الخارجية الأميركية، معربا عن أمله في عدم قيام مؤسسة القذافي بأي عمل استفزازي، على حد تعبيره.
ولم يتوقف التدخل الأميركي عند هذا الحد، بل طالب بعض أعضاء الكونغرس الأميركي بإعادة فتح التحقيق في ملابسات الإفراج عن المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي الذي أفرج عنه لأسباب صحية بسبب إصابته بمرض السرطان بعد إدانته بتفجير طائرة لوكيربي عام 1989. ودعا أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، في رسالة إلى السفير البريطاني في واشنطن، إلى فتح تحقيق لتوضيح الأسباب الحقيقية للإفراج عن المقرحي.
وقال مسؤول بمؤسسة القذافي لـ«الشرق الأوسط»: «هذا ابتزاز واضح» ردا على موقف نجل القذافي ومؤسسته الخيرية من تقديم الدعم للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة المحتل. ونقل المسؤول عن نجل القذافي قوله «حاولوا عمل ضغط علي وسربوا أخبارا عن موضوع تحقيق في ملف المقرحي، لكن مهمتنا سلمية إنسانية، وليس هدفنا إحراج أو استفزاز أو مواجهة إسرائيل بل مساعدة الفلسطينيين». وتابع «ليس عندي جيش ولا غواصات، ولست بصدد الدخول في مواجهة مع إسرائيل ولا أسعى لحربها».
كما علمت «الشرق الأوسط» أن إسرائيل حاولت إجراء اتصالات عبر أطراف ثالثة مع نجل القذافي شخصيا لإقناعه بالعدول عن إرسال السفينة. وقالت مصادر ليبية مطلعة إن إسرائيل حاولت أيضا الاتصال عبر أصدقاء أجانب وغربيين مع سيف الإسلام القذافي لتوصيل رسالة تستهدف حثه على وقف الرحلة وعدم إبحارها من اليونان كما كان مقررا. ووجهت إسرائيل رسالة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فيما أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان اتصالات مع نظيريه في كل من اليونان ومولدوفا، تمحورت حول تغيير وجهة السفينة إلى ميناء إسرائيلي بدلا من التوجه مباشرة إلى قطاع غزة.
وكشفت معلومات خاصة بـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن منظمي رحلة السفينة اكتشفوا وجود اتفاق سري بين اليونان وإسرائيل ينص على عدم موافقة اليونان على تسيير أي سفن لتقديم المساعدات إلى غزة إلا بعد التشاور والتنسيق مع إسرائيل.
وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط»: «كنا قد رتبنا الأمور مع اليونان، لكن إسرائيل دخلت بقوة على الخط مع اليونان، واتضح لنا أن هناك اتفاقا سريا يقضي بإطلاق سراح البحارة اليونانيين المشاركين في أسطول الحرية مع تعهد اليونان بعدم خروج أي سفينة إلى غزة إلا بعد التنسيق مع إسرائيل».
ولفت إلى أن الحكومة الليبية تنكرت للسفينة وتبرأت منها تماما، واتخذت إجراءات لمنع وصول أي مساعدات أو أموال، وقالت إنها ليس لديها القدرة على حماية السفينة أو رد أي عدون إسرائيلي محتمل عليها. وأضاف «ما لدينا هو تبرعات، جزء منها من عرب اليونان، لكن ليبيا على المستوى الرسمي ليست لها أي علاقة بالسفينة، بل إنها رفضت تقديم أي نوع من أنواع الدعم».
من جهته، قال المدير التنفيذي لمؤسسة القذافي للتنمية، الموجود في ميناء لافرو بجنوب شرقي اليونان، إن «هناك ضغوطا عالية المستوى من كل الأطراف ذات العلاقة مع الشركة ومؤسسة القذافي للحيلولة دون وصول السفينة. كل الأشياء كانت جاهزة لخروج السفينة أول من أمس قبل ضوء النهار لكنهم اخترعوا مجموعة تعقيدات وحجج روتينية بهدف الإعاقة». وكشف صوان عن أن مالك السفينة الموجود على متنها تلقى رسالة من السلطات اليونانية بشكل غير رسمي مفادها أن هناك محاولات لتعطيل السفينة.
ومع ذلك، قال صوان «إن السلطات اليونانية كانت متعاونة، وحاولت أن تنأى بالموضوع عن ساحة المراهنات السياسية، وقامت بإجراءات روتينية لكسب الوقت للمناورات الدبلوماسية». واعتبر أن ما يستحق التقدير هو موقف العمال ونقاباتهم في الميناء اليوناني، مضيفا «وقفوا معنا على اختلاف انتماءاتهم بشكل جدي، ورغم وجود إضراب فإنهم قاموا بتحميل المساعدات على ظهر السفينة، واستثنوا السفينة من الإضراب».
يذكر أن السفينة التي ترفع علم مولدوفا من المنتظر أن تغادر باتجاه غزة في رحلة تستغرق نحو ثمانين ساعة انطلاقا من ميناء لافرو جنوب اليونان محملة بنحو ألفي طن من المواد الغذائية الأساسية والأدوية وحليب الأطفال، وعلى متنها 27 شخصا هم طاقم السفينة المكون من 12 بحارا ينتمون إلى كوبا وهايتي والهند وسورية، بالإضافة إلى 14 راكبا ليبيا وراكب واحد من كل من نيجيريا والمغرب.