د. حسن محمد صندقجي
طرح الباحثون الكنديون نتائج أكبر دراسة طبية تتم حتى اليوم حول تأثير تناول زيت السمك في معالجة حالات الاكتئاب. وتعتبر الدراسة بنتائجها اللافتة للنظر، بداية لمشوار جديد لدهون «أوميغا - 3»، أو ما يعرف بزيت السمك، في حلقات مراحل البحث العلمي حول العلاقة الملاحظة بين نوعية التغذية وتأثيراتها على الحالة النفسية للإنسان. وكانت دراسات سابقة قد تناولت تأثيرات الشوكولاته ومشتقات الألبان وأنواع من المكسرات ولحوم الديك الرومي والفلفل الحار والتوت وغيرها من أنواع الأطعمة، على جوانب نفسية مختلفة.
ووفق ما تم نشره في عدد يوليو (تموز) الحالي من مجلة «جورنال أوف كلينيكال سايكاتري» Journal of Clinical Psychiatry المعنية بالصحة النفسية الإكلينيكية، فإن هناك جهودا علمية للباحثين من جامعة هارفارد وجامعات أميركية وكندية أخرى تبحث في استخدامات «الطب التكميلي والاختياري» في علاج الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، ومن بينها زيت السمك. وحول هذا قام الدكتور فرانكوس ليسبيرانس (Dr. François Lespérance) وفريق البحث من مركز البحوث الطبية بجامعة مونتريال وجامعة كوين في أونتاريو وجامعة لافال في كيوبيك، بالدراسة التي بدأت عام 2006 واستمرت حتى عام 2009.
وشملت شريحة الدراسة أكثر من 420 مصابا بـ«الاكتئاب الكبير» major depression، خاصة أولئك الذين لديهم حالات يصعب علاجها بالوسائل الطبية المتوفرة وحالات ممن يعانون أيضا من القلق إضافة إلى الاكتئاب. وتم تقييم نتائج تأثيرات تناول إما 3 كبسولات تحتوي على كميات محددة من زيت السمك أو 3 كبسولات تحتوي على زيت بذور دوار الشمس، وذلك بشكل يومي لمدة 8 أسابيع على التوالي.
وتبين للباحثين أن المصابين بالاكتئاب تحسنوا بشكل ملحوظ عند إضافة زيت السمك للأدوية المعتاد استخدامها في علاج الاكتئاب. أما الذين كانوا يعانون من الاكتئاب والقلق فلم تظهر عليهم علامات تحسن واضحة عند تناول زيت السمك.
والواقع أن كثيرين لا يدركون حجم المشكلة العالمية لأحد الأنواع المهمة من الاكتئاب، وهو نوع «الاكتئاب الكبير». ولعل من أوضح العبارات التي توضح أهمية الأمر هو ما تشير إليه المصادر الطبية من أن نحو 10% من الذكور و15% من الإناث، وفي كثير من المجتمعات العالمية، سيعانون من حالة «الاكتئاب الكبير» في مرحلة ما من حياتهم. وأن «الاكتئاب الكبير» يعتبر اليوم السبب الرابع عالميا للمرض morbidity وللوفاة، ومن المتوقع أن يكون السبب الثاني لتلك الأمور بحلول عام 2020. وأنه على الرغم من التقدم الواضح في الطب النفسي وطب الأعصاب، فإن الاكتئاب أحد الأمراض التي يصعب علاجها. وتزداد المشكلة تفاقما مع ملاحظة الوسط الطبي ازدياد أعداد المرضى المصابين بتلك الحالة الذين يتوقفون عن تناول أدوية معالج الاكتئاب خلال بضعة أشهر من البدء في ذلك، وأعداد الذين يرفضون من البداية تناول أي علاج دوائي لتلك المشكلة، وأعداد الذين لا يتوجهون أصلا لطلب المعونة الطبية لتخفيف معاناتهم من الاكتئاب. وهي عبارات سردها الدكتور ليسبيرانس وعقب عليها مباشرة بالقول: «ولذا ندرك أهمية العمل على تقييم مدى فاعلية زيت السمك في معالجة هذه المشكلة، وهو أحد أشهر الوسائل العلاجية التكميلية والاختيارية التي يلجأ إليها كثيرون».
ويضاف إلى هذا، تلك الملاحظات العلمية حول وجود حالة نقص في أنواع من الدهون غير المشبعة ودهون «أوميغا - 3» لدى من يعانون من بعض الاضطرابات العصبية، والاكتئاب من بينها.
وتضيف الدراسة الحديثة الكثير إلى دراسات سبق إجراؤها خلال السنوات الأربع الماضية حول دور دهون «أوميغا - 3» في علاج الاكتئاب، خاصة لدى مرضى القلب. وهي دراسات لم تكن حاسمة في نتائجها لظروف تتعلق بطريقة إجرائها وفق ما يبدو جليا لدى استقراء نتائجها وتأمل طريقة إجرائها.
والملاحظ أن ثمة توجها طبيا نحو فهم المزيد عن فوائد زيت السمك، سواء من مصادره الطبيعية أو على هيئة كبسولات دوائية. وفي كل مرة تأتي النتائج إيجابية في تأثيراته على صحة القلب ونضارة البشرة وخفض الكولسترول والدهون الثلاثية وتحسين نشاط الدماغ الذهني وغيرها. وأيا كان الأمر في نتائج هذه الدراسات الطبية الإيجابية في عموم نتائجها، فإن حرص أحدنا على تناول وجبتين من الأسماك والحيوانات البحرية، كل أسبوع، هو سلوك غذائي صحي. خاصة عند الحرص على تناول تلك الوجبات حينما يتم إعدادها بشكل صحي، أي بعيدا عن القلي في الزيوت النباتية المُهدرجة بشكل صناعي وبعيدا عن إضافة الدهون الحيوانية. أي بطريقة الشواء أو الطهي في الفرن.
* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض