بسم الله الرحمن الرحيم
رغب الإسلام
في الرفق وندبنا إليه وحثنا عليه, وبين لنا أن عطاءه ونتاجه يفرض علي الإنسان إذا
كان- بالفعل - محباً للخير مقبلاً عليه, أن يتوخاه ويعكف علي تحريه في جميع أموره,
وكافة شئونه.
فالرفق زينة الأعمال وبهاؤها, كما هو سر من أسرار جودتها , عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:إِنَّ
اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَاهُ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَالاَ
يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ.أخرجه أحمد 4/87(16925) الدارِمِي 2793 والبُخاري في الأدب
المفرد472 .
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:لاَ
يَكُونُ الْخُرْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ، وَإِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ
الرِّفْقَ.أخرجه البُخَارِي ، في (الأدب المفرد) 466.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ الْبَجَلِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ
يُحْرَمِ الرِّفْقَ ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ.
أخرجه أحمد 4/362(19420)
و"البُخَارِي" ، في (الأدب المفرد) 463 و"مسلم" 8/22(6690).
وعَنْ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ : يَاعَائِشَةُ ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وُيعْطِي عَلَى
الرِّفْقِ مَالا يُعْطِي عَلَى العُنْفِ وَمَالا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. أخرجه
مسلم 8/22.
وعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، انَّهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ
اللهِِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أراد اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بأهل بَيْتٍ خَيْرًا
ادْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ. أخرجه أحمد 6/71.
قال ابْنُ الْمُبَارَكِ ؛ قَالَ
: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ حَجَرٍ يَقُولُ : كَانَ يُقَالُ : مَا أَحْسَنَ
الْإِيمَانَ يُزَيِّنُهُ الْعِلْمُ ! وَمَا أَحْسَنَ الْعِلْمَ يُزَيِّنُهُ
الْعَمَلُ ! وَمَا أَحْسَنَ الْعَمَلَ يُزَيِّنُهُ الرِّفْقُ ! وَمَا أُضِيفَ
شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنَ مِنْ عِلْمٍ إِلَى حِلْمٍ . ابن عبد البر : المجالسة
وجواهر العلم 3/161.
والرفق خصيصة من خصائص التشريع الإسلامي,قال جل شأنه "
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(185) سورة البقرة , وقال:" يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ
الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) سورة النساء .
ولقد ضرب لنا النبي – صلي الله عليه
وسلم- أروع الأمثلة في الرفق حتى وصفه ربه فقال:" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَءُوفٌ " سورة التوبة 128.
ولله در من قال فيه:
فإذا رحمت فأنت أم أو
أب * * * هذان الدنيا هما الرحماء
والرفق أساس الدعوة إلي الله وميزانها
الحساس ,بل وسبب نجاحها قال تعالي :" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ
لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)سورة النحل .
والرفق في الإسلام له أنواعه سبله وطرقه المتعددة ؛ فهناك الرفق مع النفس ,
والرفق مع الوالدين , والرفق مع الزوجة , والرفق مع الأولاد , والرفق مع الأقارب ,
والرفق مع الخدم , والرفق مع جميع الناس , والرفق مع الحيوان.
1- الرفق مع
النفس :
الرفق في النفس يكون بمجاهدتها والسعي إلى إقامتها على الطريق الصحيح ,
ويكون بعدم تكليفها ملا تطيق لأن في ذلك إهانة وإذلالا لها , قال تعالي " لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ " البقرة 286.
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: لاَ يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. قَالُوا :
وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ ؟ قَالَ : يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ
يُطِيقُهُ. أخرجه أحمد 5/405(23837. وابن ماجة (4016) والتِّرْمِذِيّ"
2254.
وعَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
إِذَا امَرَهُمْ امَرَهُمْ مِنَ الأعمال بِمَا يُطِيقُونَ . قَالُوا : إِنَّا
لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَارَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخر . فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي
وَجْهِهِ . ثُمَّ يَقُولُ : إِنَّ اتْقَاكُمْ وأعلمكم بِاللَّهِ أنا.أخرجه أحمد
6/56 و"البُخَارِي" 1/11 .
والرفق مع النفس يكون بنهيها عن الهوى والشهوات
والشبهات , قال تعالى : " فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
(38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
سورة النازعات .
قال الشاعر:
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته * * * أتعبت
جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها * * * فأنت بالروح لا
بالجسم إنسان
قال ابن الجوزي : اعلم انه إنما كان جهاد النفس أكبر من جهاد
الأعداء لأن النفس محبوبة وما تدعو إليه محبوب لأنها لا تدعو إلا إلى ما تشتهي
وموافقة المحبوب في المكروه محبوبة فكيف إذا دعا إلى محبوب فإذ عكست الحال وخولف
المحبوب فيما يدعو إليه من المحبوب اشتد الجهاد وصعب الأمر بخلاف جهاد الكفار فإن
الطباع تحمل على خصومة الأعداء وقال ابن المبارك في قوله تعال وجاهدوا في الله حق
جهاده قال هو جهاد النفس والهوى . ذم الهوى ص 40.
يقول زهير بن أبي
سلمى:
ومن يغترب يحسب عدوّاً صديقه * * * ومن لا يكرّم نفسه لا
يُكرّمِ
ومهما تكن عند امرءِ من خليقةٍ * * * وإن خالها تخفى على الناس
تُعلمِ
من لطائف ما حكاه الأصمعي قال: مررت برجل يكسح كنيفًا (أي ينظف
حمامًا) وهو يقول:
وإياك والسكنى بدار مذلة * * * تعد مسيئًا بعدما كنت
محسنًا
ونفسك أكرمها فإن ضاق مسكن * * * عليك بها فاطلب لنفسك
مسكنًا
فقلت له: والله ما بقي من الهوان شيء إلا وقد أهنت به نفسك، فكيف
تأمر بإكرام النفس ولا تكرمها؟فقال: بلى والله من الهوان ما هو أعظم مما أنا
فيه.
فقلت له: وما هو؟قال: الوقوف على سفلة مثلك!قال الأصمعي: فانصرفت عنه وأنا
أخزى الناس!.انظر : عبد الملك القاسم : مختارات ولطائف 1/178.
فارفق أيها العاقل
بنفسك فصلاحك بصلاحها وسعادتك في إصلاحها .
2- الرفق مع الوالدين:
أمرنا
الله تبارك وتعالى بالإحسان إلى الوالدين وجعل الرفق بهما بعد عبادته سبحانه , قال
تعالى : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي
نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا
(25) سورة الإسراء .
وعن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى ؟ قَالَ: " الصَّلَاةُ
لِوَقْتِهَا "، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ "، قُلْتُ:
ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ صحيح مسلم (262 ) .
وعَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ:صَلِّ الصَّلاَةَ لِمَوَاقِيتِهَا،قُلْتُ:ثُمَّ أَيُّ
؟ قَالَ:بِرُّ الْوَالِدَيْنِ،قُلْتُ:ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ:ثُمَّ الْجِهَادُ فِي
سَبِيلِ اللهِ،وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. . مسند أحمد (2 / 114)(3998)
صحيح.
وروى الإمام أحمد بسند حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أوصاني رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: "لا تشرك بالله شيئاً، وإن قتلت
وحرّقت،ولا تعقّنَّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك.أخرجه أحمد
5/238(22425).
قال الشاعر :
عليك ببر الوالدين كليهما * * * وبر ذوي
القربى وبر الأباعد
ولا تصبحن إلا تقياً مهذباً * * * عفيفاً ذكياً منجزاً
للمواعد
والرفق بالوالدين يقتضي بحسن البر والصلة , وعدم رفع الصوت عليهما ,
وإجابة دعوتهما , والنظر بحب ورفق إليهما , وحفظ عهدهما , وانفاذ وصيتهما , وصلة
الرحم التي لا تصل إلا بهما .
3- الرفق مع الزوجة :
حث الله تعالى الزوج
على حسن معاشرة زوجته والرفق بها والحنو عليها , قال تعالى : " وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) سورة النساء .
وقال سبحانه : "
قال تعالى : " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) سورة
طه.
َوعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: َيْرُكُمْ
خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى. أخرجه ابن ماجة (1977).
قال
الشاعر :
رأيتُ رجالاً يضربون نساءهـم *** فشُلَّت يميـنـي يـوم تُضرب
زينبُ
أأضربها من غير ذنب أتـت به *** فما العدلُ مني ضرب من ليس
يذنبُ
فزينبُ شمسٌ والنساءُ كواكبٌ *** إذا طلعت لـم يبدِ منهـنَّ
كوكبُ
والرفق بالزوجة يقتضي الصبر عليها وتحمل هفواتها , وغفران زلاتها وفهم
طبيعتها ومعرفة أن المرأة لها طبيعة خاصة , فهي سريعة التقلب سريعة الحكم على
الأشياء , تحكم على الأمور غالباً بعاطفتها روى أن المعتمد بن عباد وكان ملكا من
ملوك الطوائف اشترى جارية تسمى الرميكية وهي أمّ أولاده والملقّبة باعتماد، روي
أنّها رأت ذات يوم بأشبيلية نساء البادية يبعن اللبن في القرب وهنّ رافعات عن
سوقهنّ في الطين، فقالت له: أشتهي أن أفعل أنا وجواريّ مثل هؤلاء النساء، فأمر
المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّر الجميع طيناً في القصر، وجعل
لها قرباً وحبالاً من إبريسم، وخرجت هي وجواريها تخوض في ذلك الطين، فيقال: إنّه
لمّا خلع وكانت تتكلّم معه مرّة فجرى بينهما ما يجري بين الزوجين، فقالت له: والله
ما رأيت منك خيراً، فقال لها: ولا يوم الطين؟ تذكيراً لها بهذا اليوم الذي أباد فيه
من الأموال مالا يعلمه إلاّ الله تعالى، فاستحيت وسكتت .أحمد بن المقري التلمساني :
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 1/440.
4- الرفق مع الاولاد :
الولد
نعمة وهبة من الله تعالى يجب رعايته والعمل على حسن تربيته , قال تعالى :" يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ
اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " . التحريم: 6.
وتربية
الأولاد تحتاج إلى الرفق والحنو ,عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَمْروٍ ، . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لَيْسَ مِنَّا مَنْ
لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا.أخرجه أحمد
2/185و"البُخَارِي" في "الأدب المفرد" 355 .
وعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ ،
أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ:كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَِجْرِ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ،
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا غُلاَمُ ، سَمِّ اللهَ ،
وَكُلْ بيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. . أخرجه "أحمد" 4/26(16442)
و"الدارِمِي" 2019و"البُخَارِي" 7/88(5376) و"مسلم"6/109(5317) .
وعنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:أَبْصَرَ الأَقْرَعَُ بْنُ حَابِسٍ رَسُولَ اللهِ صلى
الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ ، أَوِ الْحُسَيْنَ ، رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا ، فَقَالَ : إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا
مِنْهُمْ قَطُّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ لاَ يُرْحَمُ
مَنْ لاَ يَرْحَمُ. أخرجه "أحمد" 2/228(7121) و"البُخاري" 5997 و"مسلم" 6097
.
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوضعه ، ثم كبر للصلاة فصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، قال أبي: فرفعت
رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ساجد ، فرجعت إلى
سجودي ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس : يا رسول الله
إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك ،
قال : كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) . رواه
أحمد والنسائي وصححه الألباني.
يقول يزيد بن معاوية : أرسل أبي إلى الأحنف بن
قيس ، فلما وصل إليه قال له : يا أبا بحر ، ما تقول في الولد : قال يا أمير
المؤمنين : ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم
نصول على كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبونك
جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً ، فيملوا حياتك ، ويودوا وفاتك ، ويكرهوا قربك
، فقال له معاوية : لله أنت يا أحنف ، لقد دخلت علي وأنا مملوء غضباً وغيظاً على
يزيد ، فلما خرج الأحنف من عنده ، رضي عن يزيد وبعث إلى يزيد بمائتي ألف درهم ،
ومائتي ثوب . إحياء علوم الدين 2/295 .
ومن أحسن مذاهب التعليم، ما تقدم به
الرشيد لمعلم ولده. قال خلف الأحمر: بعث إلي الرشيد في تأديب ولده محمد الأمين
فقال: " يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصير يدك
عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن وعلمه
الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه وامنعه من الضحك إلا
في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم، إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد، إذا
حضروا مجلسه. ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه،
فتميت ذهنه. ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه. وقومه ما استطعت بالقرب
والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة. انتهى " . ابن خلدون : المقدمة 1/348
، البيهقي : المحاسن والمساويء 244 ، المسعودي : مروج لذهب ص 4 .
5- الرفق
مع الاقارب :
صلة الرحم طريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة , فعَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ
لَهُ فِي عُمْرِهِ،وَيُزَادَ فِي رِزْقِهِ،فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ،وَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ. . مسند أحمد (4 / 679) (13811) 13847- صحيح.
وقطيعة الرحم لون من
الإفساد في الأرض , قال تعالى : " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) سورة محمد .
عن
أنس-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : ( إن الرحم شُجْنةُ متمِسكة بالعرش تكلم
بلسان ذُلَق ، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، فيقول ـ تبارك وتعالى ـ : أنا
الرحمن الرحيم ، و إني شققت للرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته،ومن نكثها نكثه)
الحديث له اصل في البخاري – الفتح 10(5988) والأدب المفرد ومجمع الزوائد (5/151)
واللفظ له وقال : رواه البزار وإسناده حسن والترغيب والترهيب (3/340) وقال إسنادة
حسن.
وعن عبدا لله بن سلام _ رضي الله عنه_قال : لما قدم النبي صلى الله عليه
وسلم المدينة ، انجفل الناس قِبَلهُ . وقيل : قد قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم ،
قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً
فجئت في الناس لأنظُرَ فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ،فكان أول شيء
سمعتهُ تكلم به أن قال : (( يا أيها الناس أفشوا السلام ،وأطعموا الطعام،وصلوا
الأرحام،وصلوا بالليل والناس نيام،تدخلوا الجنة بسلام)) الترمذي(2485).وابن ماجه
(3251) . واللفظ له . وأحمد (5/451) . وذكره الألباني في الصحيحة برقم (456).
والرحم قد يحدث منعم مساءات تجعل المرء يردد مع الشاعر :
وظُلْمُ ذَوي
الْقُرْبَى أَشَدُّ مضاضَةً * * * على الَمرءِ مِن وَقْعِ الُحسامِ
الُمهَنَّدِ
لكن العاقل هو من يرفق برحمه ويتحمل أذاهم وكما قيل " إذا عصوا
الله فيك فأطع الله فيهم " , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَ ، وَأُحْسِنُ
إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ،
قَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلاَ
يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ.أخرجه أحمد
2/300(7979) و"البُخاري" في "الأدب المفرد" 52 و"مسلم" 6617.
6- الرفق
مع الخدم :
الرفق بالخدم من الحقوق التي شرعها الإسلام الحكيم وأكد عليها , وندب
الناس إليها , عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
مَنْ لاَءَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ ،
وَاكْسُوهُ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَمَنْ لَمْ يُلاَئِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ ،
وَلاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ.أخرجه أحمد 5/168(21815). و"أبو داود"
5161.
وعَنِ الْمَعْرُورِ بْنَ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ
بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ
عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ،
فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ
بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ،
جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ
فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ
تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. أخرجه
"أحمد" 5/158 (21738) و"البُخاري" 1/14(30) و"مسلم" 5/92(4326) .
ومما
يؤسف له أن بعض المسلمين لا يراعون الله تعالى فيمن تحت أيديهم من خدم وعمال
فيكلفونهم من العمل ما لا يطيقون , ويعاملونهم معاملة العبيد والإسلام قد سماهم
إخواننا وأوجب لهم جميع حقوق المسلم على أخيه المسلم , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيِّ قَالَ كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي
صَوْتًا اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ
فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ لَمْ
تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ.رواه مسلم
3/1280.
ولقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلق تطبيقاً عملياً كما روى
عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال : " خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله
عليه وسلم تِسْعَ سِنِينَ ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَالَ لِي قَطُّ : لِمَ فَعَلْتَ
كَذَا وَكَذَا؟ وَلاَ عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا قَطُّ. أخرجه أحمد 3/100(11997)
و"مسلم" 7/73(6080).
7- الرفق مع الناس :
الرفق مع جميع الناس خلق
إسلامي رفيع لا يتصف به إلا من خامر الإيمان بشاشة قلبه وتمكن من فكره وجوارحه
,وأيقن أن في الرفق سعادة وزيادة وسيادة , عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ حَظُّهُ
مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَمَنْ حُرِمَ حَظًّهُ
مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ حُرِمَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ ، أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي
مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَإِنَّ اللهَ
لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ. أخرجه أحمد 6/451(28104 و28106) .
و"البُخَارِي" ، في "الأدب المفرد"464 و"التِّرمِذي"2002 و2013.
ولقد
أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم الدرس العملي والنموذج الأسمى والأعلى في الالتزام
بهذا الخلق مع من يحب ومع من يكره , عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر . قَالَ :
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ ؛ أَنَّ رَجُلاً اسْتَاْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم . فَقَالَ : ائْذَنُوا لَهُ . فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ، اوْ
بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الانَ لَهُ الْقَوْلَ .
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِِ ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ .
ثُمَّ الَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ ؟ قَالَ : يَاعَائِشَةُ ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ
مَنْزِلَةً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مَنْ وَدَعَهُ ، اوْ تَرَكَهُ
النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ. أخرجه "البُخَارِي" 8/15 و"مسلم" 8/21.
وعَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شُمَاسَةَ . قَالَ : اتَيْتُ عَائِشَةَ اسْالُهَا عَنْ
شَيْءٍ . فَقَالَتْ : مِمَّنْ أنت ؟ فَقُلْتُ : رَجُلٌ مِنْ آهل مِصْرَ . فَقَالَتْ
: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ ؟ فَقَالَ : مَا
نَقِمْنَا مِنْهُ شَيْئا ً. إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ ،
فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ . وَالْعَبْدُ ، فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ . وًيحْتَاجُ إِلَى
النَفَقَةِ ، فَيُعْطِيهِ النَفَقَةَ . فَقَالَتْ : امَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي
الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أبي بَكْرٍ ، أخي ، أَنْ اُخْبِرَكَ مَا
سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا.
اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمر أمتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فَاشْقُقْ
عَلَيْهِ . وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أمر أمتي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارْفُقْ بِهِ.
أخرجه أحمد 6/93 و"مسلم" 6/7.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛ أَنَّ الْيَهُودَ
دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكَ ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : السَّامُ عَلَيْكُمْ . فَقَالَتْ
عَائِشَةُ : السَّامُ عَلَيْكُمْ يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ،
وَلَعْنَةُ اللهِ وَغَضَبُهُ ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ ، مَهْ ، فَقَالَتْ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا ؟ قَالَ : أَوَ مَا سَمِعْتِ مَا
رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ ؟ يَا عَائِشَةُ ، لَمْ يَدْخُلِ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ
زَانَهُ ، وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ. أخرجه أحمد
3/241(13565).
قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ * * * فطالما
استعبد الإنسان إحسانُ
من جاد بالمال مال الناس قاطبة * * *إليه والـمال
للإنسان فـتانُ
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة * * *فلن يدوم على الإنسان
إمكانُ
8- الرفق مع الحيوان :
وفي الإسلام يتعدي الرفق من الإنسان
إلي الحيوان ، ولقد حكت لنا كتب السنة قصة الرجل الذي رفق بكلب فسقاه من العطش فغفر
الله له وادخله الجنة , وقصة المرأة التي حبست هرة حتى ماتت فدخلت بسببها النار
.وكل ذلك يؤكد عظمة هذا الدين وأنه دين يعني بكل الجوانب الإنسانية لأن في ذلك
سعادة الإنسان وأمنه.
وعن أبي الأشعث , عن شداد بن أوس , قال : ثنتان حفظتهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال:إن الله كتب الإحسان على كل شيء , فإذا
قتلتم فأحسنوا القتلة , وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح , ليحد أحدكم شفرته , وليرح
ذبيحته.. أخرجه أحمد 4/123(17242) ومسلم2/76(5096) و"أبو داود" ا2815 و"ابن
ماجة" 3170 .
وأخرج مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده إلى أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن امرأة بغيا رأت كلبا ًفي يوم حار يطيف ببئر قد
أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها _أي استقت له بخفها _ فغفر لها " فقد غفر
الله لهذه البغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي هذا الكلب.
يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم على ما أخرجه البخاري ومسلم: "عذبت امرأة في هرة لم تطعمها ولم
تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض" .
وروى البخاري بسنده إلى أسماء بنت أبي
بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم،
فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرة _ : قال ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت
جوعا ً" قال النووي في شرح هذا الحديث عن مسلم (9/89): "إن المرأة كانت مسلمة
وإنها دخلت النار بسببها، وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت بإصرارها
كبيرة".
وقد حرم الإسلام تعذيب الحيوان ولعن المخالفين على مخالفتهم، فقد
روى مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وسم في
وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه" وفي رواية له: " نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه"، ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصرا ً:
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يسم في الوجه" وروى الطبراني أيضا ًعن
جنادة بن جراد أحد بني غيلان بن جنادة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بإبل قد
وسمتها في أنفها، فقال رسول الله: "يا جنادة فما وجدت عضوا تسمه إلا في الوجه أما
إن أمامك القصاص" فقال: أمرك إليها يا رسول الله.
وعن جابر بن عبد الله قال:
مرّ حمار برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كوي وجهه يفور منخراه من دم، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله من فعل هذا" ثم نهى عن الكي في الوجه والضرب
في الوجه" رواه الترمذي مختصرا ًوصححه، والأحاديث في النهي عن الكي في الوجه
كثيرة. وقد حرمت الشريعة الإسلامية تصبير البهائم – أي أن تحبس لترمى حتى تموت _
كما حرمت المثلة _ وهي قطع أطراف الحيوان _ فقد روي عن ابن عمر أنه قال: "نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل". وأخرج البخاري ومسلم
عن المنهال بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم من
مثّل بالحيوان" قال العسقلاني في شرح صحيح البخاري 8/ 84 ): وقال العقيلي: "جاء
في النهي عن صير البهيمة أحاديث جياد"، وقال ابن حجر (فتح الباري 12/65): "وفي
هذه الأحاديث تحريم تعذيب الحيوان" والتحريم يقتضي العقاب.
وكل ذلك يؤكد أن
الرفق في الإسلام خلق أصيل لا يتصف به إلا المؤمن الحق , ولا يلتزم به إلا من عرف
الإسلام معرفة الموقن بأنه الدين الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق ويرفع من شأن القيم
والفضائل.
د. بدر عبد الحميد
هميسه
رغب الإسلام
في الرفق وندبنا إليه وحثنا عليه, وبين لنا أن عطاءه ونتاجه يفرض علي الإنسان إذا
كان- بالفعل - محباً للخير مقبلاً عليه, أن يتوخاه ويعكف علي تحريه في جميع أموره,
وكافة شئونه.
فالرفق زينة الأعمال وبهاؤها, كما هو سر من أسرار جودتها , عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:إِنَّ
اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَاهُ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَالاَ
يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ.أخرجه أحمد 4/87(16925) الدارِمِي 2793 والبُخاري في الأدب
المفرد472 .
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:لاَ
يَكُونُ الْخُرْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ، وَإِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ
الرِّفْقَ.أخرجه البُخَارِي ، في (الأدب المفرد) 466.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ الْبَجَلِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ
يُحْرَمِ الرِّفْقَ ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ.
أخرجه أحمد 4/362(19420)
و"البُخَارِي" ، في (الأدب المفرد) 463 و"مسلم" 8/22(6690).
وعَنْ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ : يَاعَائِشَةُ ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وُيعْطِي عَلَى
الرِّفْقِ مَالا يُعْطِي عَلَى العُنْفِ وَمَالا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. أخرجه
مسلم 8/22.
وعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، انَّهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ
اللهِِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أراد اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بأهل بَيْتٍ خَيْرًا
ادْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ. أخرجه أحمد 6/71.
قال ابْنُ الْمُبَارَكِ ؛ قَالَ
: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ حَجَرٍ يَقُولُ : كَانَ يُقَالُ : مَا أَحْسَنَ
الْإِيمَانَ يُزَيِّنُهُ الْعِلْمُ ! وَمَا أَحْسَنَ الْعِلْمَ يُزَيِّنُهُ
الْعَمَلُ ! وَمَا أَحْسَنَ الْعَمَلَ يُزَيِّنُهُ الرِّفْقُ ! وَمَا أُضِيفَ
شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنَ مِنْ عِلْمٍ إِلَى حِلْمٍ . ابن عبد البر : المجالسة
وجواهر العلم 3/161.
والرفق خصيصة من خصائص التشريع الإسلامي,قال جل شأنه "
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(185) سورة البقرة , وقال:" يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ
الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) سورة النساء .
ولقد ضرب لنا النبي – صلي الله عليه
وسلم- أروع الأمثلة في الرفق حتى وصفه ربه فقال:" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَءُوفٌ " سورة التوبة 128.
ولله در من قال فيه:
فإذا رحمت فأنت أم أو
أب * * * هذان الدنيا هما الرحماء
والرفق أساس الدعوة إلي الله وميزانها
الحساس ,بل وسبب نجاحها قال تعالي :" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ
لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)سورة النحل .
والرفق في الإسلام له أنواعه سبله وطرقه المتعددة ؛ فهناك الرفق مع النفس ,
والرفق مع الوالدين , والرفق مع الزوجة , والرفق مع الأولاد , والرفق مع الأقارب ,
والرفق مع الخدم , والرفق مع جميع الناس , والرفق مع الحيوان.
1- الرفق مع
النفس :
الرفق في النفس يكون بمجاهدتها والسعي إلى إقامتها على الطريق الصحيح ,
ويكون بعدم تكليفها ملا تطيق لأن في ذلك إهانة وإذلالا لها , قال تعالي " لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ " البقرة 286.
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: لاَ يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. قَالُوا :
وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ ؟ قَالَ : يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ
يُطِيقُهُ. أخرجه أحمد 5/405(23837. وابن ماجة (4016) والتِّرْمِذِيّ"
2254.
وعَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
إِذَا امَرَهُمْ امَرَهُمْ مِنَ الأعمال بِمَا يُطِيقُونَ . قَالُوا : إِنَّا
لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَارَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخر . فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي
وَجْهِهِ . ثُمَّ يَقُولُ : إِنَّ اتْقَاكُمْ وأعلمكم بِاللَّهِ أنا.أخرجه أحمد
6/56 و"البُخَارِي" 1/11 .
والرفق مع النفس يكون بنهيها عن الهوى والشهوات
والشبهات , قال تعالى : " فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
(38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
سورة النازعات .
قال الشاعر:
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته * * * أتعبت
جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها * * * فأنت بالروح لا
بالجسم إنسان
قال ابن الجوزي : اعلم انه إنما كان جهاد النفس أكبر من جهاد
الأعداء لأن النفس محبوبة وما تدعو إليه محبوب لأنها لا تدعو إلا إلى ما تشتهي
وموافقة المحبوب في المكروه محبوبة فكيف إذا دعا إلى محبوب فإذ عكست الحال وخولف
المحبوب فيما يدعو إليه من المحبوب اشتد الجهاد وصعب الأمر بخلاف جهاد الكفار فإن
الطباع تحمل على خصومة الأعداء وقال ابن المبارك في قوله تعال وجاهدوا في الله حق
جهاده قال هو جهاد النفس والهوى . ذم الهوى ص 40.
يقول زهير بن أبي
سلمى:
ومن يغترب يحسب عدوّاً صديقه * * * ومن لا يكرّم نفسه لا
يُكرّمِ
ومهما تكن عند امرءِ من خليقةٍ * * * وإن خالها تخفى على الناس
تُعلمِ
من لطائف ما حكاه الأصمعي قال: مررت برجل يكسح كنيفًا (أي ينظف
حمامًا) وهو يقول:
وإياك والسكنى بدار مذلة * * * تعد مسيئًا بعدما كنت
محسنًا
ونفسك أكرمها فإن ضاق مسكن * * * عليك بها فاطلب لنفسك
مسكنًا
فقلت له: والله ما بقي من الهوان شيء إلا وقد أهنت به نفسك، فكيف
تأمر بإكرام النفس ولا تكرمها؟فقال: بلى والله من الهوان ما هو أعظم مما أنا
فيه.
فقلت له: وما هو؟قال: الوقوف على سفلة مثلك!قال الأصمعي: فانصرفت عنه وأنا
أخزى الناس!.انظر : عبد الملك القاسم : مختارات ولطائف 1/178.
فارفق أيها العاقل
بنفسك فصلاحك بصلاحها وسعادتك في إصلاحها .
2- الرفق مع الوالدين:
أمرنا
الله تبارك وتعالى بالإحسان إلى الوالدين وجعل الرفق بهما بعد عبادته سبحانه , قال
تعالى : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي
نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا
(25) سورة الإسراء .
وعن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى ؟ قَالَ: " الصَّلَاةُ
لِوَقْتِهَا "، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ "، قُلْتُ:
ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ صحيح مسلم (262 ) .
وعَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ:صَلِّ الصَّلاَةَ لِمَوَاقِيتِهَا،قُلْتُ:ثُمَّ أَيُّ
؟ قَالَ:بِرُّ الْوَالِدَيْنِ،قُلْتُ:ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ:ثُمَّ الْجِهَادُ فِي
سَبِيلِ اللهِ،وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. . مسند أحمد (2 / 114)(3998)
صحيح.
وروى الإمام أحمد بسند حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أوصاني رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: "لا تشرك بالله شيئاً، وإن قتلت
وحرّقت،ولا تعقّنَّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك.أخرجه أحمد
5/238(22425).
قال الشاعر :
عليك ببر الوالدين كليهما * * * وبر ذوي
القربى وبر الأباعد
ولا تصبحن إلا تقياً مهذباً * * * عفيفاً ذكياً منجزاً
للمواعد
والرفق بالوالدين يقتضي بحسن البر والصلة , وعدم رفع الصوت عليهما ,
وإجابة دعوتهما , والنظر بحب ورفق إليهما , وحفظ عهدهما , وانفاذ وصيتهما , وصلة
الرحم التي لا تصل إلا بهما .
3- الرفق مع الزوجة :
حث الله تعالى الزوج
على حسن معاشرة زوجته والرفق بها والحنو عليها , قال تعالى : " وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) سورة النساء .
وقال سبحانه : "
قال تعالى : " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) سورة
طه.
َوعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: َيْرُكُمْ
خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى. أخرجه ابن ماجة (1977).
قال
الشاعر :
رأيتُ رجالاً يضربون نساءهـم *** فشُلَّت يميـنـي يـوم تُضرب
زينبُ
أأضربها من غير ذنب أتـت به *** فما العدلُ مني ضرب من ليس
يذنبُ
فزينبُ شمسٌ والنساءُ كواكبٌ *** إذا طلعت لـم يبدِ منهـنَّ
كوكبُ
والرفق بالزوجة يقتضي الصبر عليها وتحمل هفواتها , وغفران زلاتها وفهم
طبيعتها ومعرفة أن المرأة لها طبيعة خاصة , فهي سريعة التقلب سريعة الحكم على
الأشياء , تحكم على الأمور غالباً بعاطفتها روى أن المعتمد بن عباد وكان ملكا من
ملوك الطوائف اشترى جارية تسمى الرميكية وهي أمّ أولاده والملقّبة باعتماد، روي
أنّها رأت ذات يوم بأشبيلية نساء البادية يبعن اللبن في القرب وهنّ رافعات عن
سوقهنّ في الطين، فقالت له: أشتهي أن أفعل أنا وجواريّ مثل هؤلاء النساء، فأمر
المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّر الجميع طيناً في القصر، وجعل
لها قرباً وحبالاً من إبريسم، وخرجت هي وجواريها تخوض في ذلك الطين، فيقال: إنّه
لمّا خلع وكانت تتكلّم معه مرّة فجرى بينهما ما يجري بين الزوجين، فقالت له: والله
ما رأيت منك خيراً، فقال لها: ولا يوم الطين؟ تذكيراً لها بهذا اليوم الذي أباد فيه
من الأموال مالا يعلمه إلاّ الله تعالى، فاستحيت وسكتت .أحمد بن المقري التلمساني :
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 1/440.
4- الرفق مع الاولاد :
الولد
نعمة وهبة من الله تعالى يجب رعايته والعمل على حسن تربيته , قال تعالى :" يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ
اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " . التحريم: 6.
وتربية
الأولاد تحتاج إلى الرفق والحنو ,عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
عَمْروٍ ، . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لَيْسَ مِنَّا مَنْ
لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا.أخرجه أحمد
2/185و"البُخَارِي" في "الأدب المفرد" 355 .
وعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ ،
أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ:كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَِجْرِ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ،
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا غُلاَمُ ، سَمِّ اللهَ ،
وَكُلْ بيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. . أخرجه "أحمد" 4/26(16442)
و"الدارِمِي" 2019و"البُخَارِي" 7/88(5376) و"مسلم"6/109(5317) .
وعنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:أَبْصَرَ الأَقْرَعَُ بْنُ حَابِسٍ رَسُولَ اللهِ صلى
الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ ، أَوِ الْحُسَيْنَ ، رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا ، فَقَالَ : إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا
مِنْهُمْ قَطُّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ لاَ يُرْحَمُ
مَنْ لاَ يَرْحَمُ. أخرجه "أحمد" 2/228(7121) و"البُخاري" 5997 و"مسلم" 6097
.
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوضعه ، ثم كبر للصلاة فصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، قال أبي: فرفعت
رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ساجد ، فرجعت إلى
سجودي ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس : يا رسول الله
إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك ،
قال : كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) . رواه
أحمد والنسائي وصححه الألباني.
يقول يزيد بن معاوية : أرسل أبي إلى الأحنف بن
قيس ، فلما وصل إليه قال له : يا أبا بحر ، ما تقول في الولد : قال يا أمير
المؤمنين : ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم
نصول على كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبونك
جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً ، فيملوا حياتك ، ويودوا وفاتك ، ويكرهوا قربك
، فقال له معاوية : لله أنت يا أحنف ، لقد دخلت علي وأنا مملوء غضباً وغيظاً على
يزيد ، فلما خرج الأحنف من عنده ، رضي عن يزيد وبعث إلى يزيد بمائتي ألف درهم ،
ومائتي ثوب . إحياء علوم الدين 2/295 .
ومن أحسن مذاهب التعليم، ما تقدم به
الرشيد لمعلم ولده. قال خلف الأحمر: بعث إلي الرشيد في تأديب ولده محمد الأمين
فقال: " يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصير يدك
عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن وعلمه
الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه وامنعه من الضحك إلا
في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم، إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد، إذا
حضروا مجلسه. ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه،
فتميت ذهنه. ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه. وقومه ما استطعت بالقرب
والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة. انتهى " . ابن خلدون : المقدمة 1/348
، البيهقي : المحاسن والمساويء 244 ، المسعودي : مروج لذهب ص 4 .
5- الرفق
مع الاقارب :
صلة الرحم طريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة , فعَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ
لَهُ فِي عُمْرِهِ،وَيُزَادَ فِي رِزْقِهِ،فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ،وَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ. . مسند أحمد (4 / 679) (13811) 13847- صحيح.
وقطيعة الرحم لون من
الإفساد في الأرض , قال تعالى : " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) سورة محمد .
عن
أنس-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : ( إن الرحم شُجْنةُ متمِسكة بالعرش تكلم
بلسان ذُلَق ، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، فيقول ـ تبارك وتعالى ـ : أنا
الرحمن الرحيم ، و إني شققت للرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته،ومن نكثها نكثه)
الحديث له اصل في البخاري – الفتح 10(5988) والأدب المفرد ومجمع الزوائد (5/151)
واللفظ له وقال : رواه البزار وإسناده حسن والترغيب والترهيب (3/340) وقال إسنادة
حسن.
وعن عبدا لله بن سلام _ رضي الله عنه_قال : لما قدم النبي صلى الله عليه
وسلم المدينة ، انجفل الناس قِبَلهُ . وقيل : قد قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم ،
قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً
فجئت في الناس لأنظُرَ فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ،فكان أول شيء
سمعتهُ تكلم به أن قال : (( يا أيها الناس أفشوا السلام ،وأطعموا الطعام،وصلوا
الأرحام،وصلوا بالليل والناس نيام،تدخلوا الجنة بسلام)) الترمذي(2485).وابن ماجه
(3251) . واللفظ له . وأحمد (5/451) . وذكره الألباني في الصحيحة برقم (456).
والرحم قد يحدث منعم مساءات تجعل المرء يردد مع الشاعر :
وظُلْمُ ذَوي
الْقُرْبَى أَشَدُّ مضاضَةً * * * على الَمرءِ مِن وَقْعِ الُحسامِ
الُمهَنَّدِ
لكن العاقل هو من يرفق برحمه ويتحمل أذاهم وكما قيل " إذا عصوا
الله فيك فأطع الله فيهم " , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَ ، وَأُحْسِنُ
إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ،
قَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلاَ
يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ.أخرجه أحمد
2/300(7979) و"البُخاري" في "الأدب المفرد" 52 و"مسلم" 6617.
6- الرفق
مع الخدم :
الرفق بالخدم من الحقوق التي شرعها الإسلام الحكيم وأكد عليها , وندب
الناس إليها , عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
مَنْ لاَءَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ ،
وَاكْسُوهُ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَمَنْ لَمْ يُلاَئِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ ،
وَلاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ.أخرجه أحمد 5/168(21815). و"أبو داود"
5161.
وعَنِ الْمَعْرُورِ بْنَ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ
بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ
عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ،
فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ
بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ،
جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ
فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ
تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. أخرجه
"أحمد" 5/158 (21738) و"البُخاري" 1/14(30) و"مسلم" 5/92(4326) .
ومما
يؤسف له أن بعض المسلمين لا يراعون الله تعالى فيمن تحت أيديهم من خدم وعمال
فيكلفونهم من العمل ما لا يطيقون , ويعاملونهم معاملة العبيد والإسلام قد سماهم
إخواننا وأوجب لهم جميع حقوق المسلم على أخيه المسلم , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيِّ قَالَ كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي
صَوْتًا اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ
فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ لَمْ
تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ.رواه مسلم
3/1280.
ولقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلق تطبيقاً عملياً كما روى
عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال : " خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله
عليه وسلم تِسْعَ سِنِينَ ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَالَ لِي قَطُّ : لِمَ فَعَلْتَ
كَذَا وَكَذَا؟ وَلاَ عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا قَطُّ. أخرجه أحمد 3/100(11997)
و"مسلم" 7/73(6080).
7- الرفق مع الناس :
الرفق مع جميع الناس خلق
إسلامي رفيع لا يتصف به إلا من خامر الإيمان بشاشة قلبه وتمكن من فكره وجوارحه
,وأيقن أن في الرفق سعادة وزيادة وسيادة , عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ حَظُّهُ
مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَمَنْ حُرِمَ حَظًّهُ
مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ حُرِمَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ ، أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي
مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَإِنَّ اللهَ
لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ. أخرجه أحمد 6/451(28104 و28106) .
و"البُخَارِي" ، في "الأدب المفرد"464 و"التِّرمِذي"2002 و2013.
ولقد
أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم الدرس العملي والنموذج الأسمى والأعلى في الالتزام
بهذا الخلق مع من يحب ومع من يكره , عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر . قَالَ :
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ ؛ أَنَّ رَجُلاً اسْتَاْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم . فَقَالَ : ائْذَنُوا لَهُ . فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ، اوْ
بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الانَ لَهُ الْقَوْلَ .
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِِ ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ .
ثُمَّ الَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ ؟ قَالَ : يَاعَائِشَةُ ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ
مَنْزِلَةً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مَنْ وَدَعَهُ ، اوْ تَرَكَهُ
النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ. أخرجه "البُخَارِي" 8/15 و"مسلم" 8/21.
وعَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شُمَاسَةَ . قَالَ : اتَيْتُ عَائِشَةَ اسْالُهَا عَنْ
شَيْءٍ . فَقَالَتْ : مِمَّنْ أنت ؟ فَقُلْتُ : رَجُلٌ مِنْ آهل مِصْرَ . فَقَالَتْ
: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ ؟ فَقَالَ : مَا
نَقِمْنَا مِنْهُ شَيْئا ً. إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ ،
فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ . وَالْعَبْدُ ، فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ . وًيحْتَاجُ إِلَى
النَفَقَةِ ، فَيُعْطِيهِ النَفَقَةَ . فَقَالَتْ : امَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي
الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أبي بَكْرٍ ، أخي ، أَنْ اُخْبِرَكَ مَا
سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا.
اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمر أمتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فَاشْقُقْ
عَلَيْهِ . وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أمر أمتي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارْفُقْ بِهِ.
أخرجه أحمد 6/93 و"مسلم" 6/7.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛ أَنَّ الْيَهُودَ
دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكَ ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : السَّامُ عَلَيْكُمْ . فَقَالَتْ
عَائِشَةُ : السَّامُ عَلَيْكُمْ يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ،
وَلَعْنَةُ اللهِ وَغَضَبُهُ ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ ، مَهْ ، فَقَالَتْ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا ؟ قَالَ : أَوَ مَا سَمِعْتِ مَا
رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ ؟ يَا عَائِشَةُ ، لَمْ يَدْخُلِ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ
زَانَهُ ، وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ. أخرجه أحمد
3/241(13565).
قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ * * * فطالما
استعبد الإنسان إحسانُ
من جاد بالمال مال الناس قاطبة * * *إليه والـمال
للإنسان فـتانُ
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة * * *فلن يدوم على الإنسان
إمكانُ
8- الرفق مع الحيوان :
وفي الإسلام يتعدي الرفق من الإنسان
إلي الحيوان ، ولقد حكت لنا كتب السنة قصة الرجل الذي رفق بكلب فسقاه من العطش فغفر
الله له وادخله الجنة , وقصة المرأة التي حبست هرة حتى ماتت فدخلت بسببها النار
.وكل ذلك يؤكد عظمة هذا الدين وأنه دين يعني بكل الجوانب الإنسانية لأن في ذلك
سعادة الإنسان وأمنه.
وعن أبي الأشعث , عن شداد بن أوس , قال : ثنتان حفظتهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال:إن الله كتب الإحسان على كل شيء , فإذا
قتلتم فأحسنوا القتلة , وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح , ليحد أحدكم شفرته , وليرح
ذبيحته.. أخرجه أحمد 4/123(17242) ومسلم2/76(5096) و"أبو داود" ا2815 و"ابن
ماجة" 3170 .
وأخرج مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده إلى أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن امرأة بغيا رأت كلبا ًفي يوم حار يطيف ببئر قد
أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها _أي استقت له بخفها _ فغفر لها " فقد غفر
الله لهذه البغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي هذا الكلب.
يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم على ما أخرجه البخاري ومسلم: "عذبت امرأة في هرة لم تطعمها ولم
تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض" .
وروى البخاري بسنده إلى أسماء بنت أبي
بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم،
فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرة _ : قال ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت
جوعا ً" قال النووي في شرح هذا الحديث عن مسلم (9/89): "إن المرأة كانت مسلمة
وإنها دخلت النار بسببها، وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت بإصرارها
كبيرة".
وقد حرم الإسلام تعذيب الحيوان ولعن المخالفين على مخالفتهم، فقد
روى مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وسم في
وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه" وفي رواية له: " نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه"، ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصرا ً:
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يسم في الوجه" وروى الطبراني أيضا ًعن
جنادة بن جراد أحد بني غيلان بن جنادة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بإبل قد
وسمتها في أنفها، فقال رسول الله: "يا جنادة فما وجدت عضوا تسمه إلا في الوجه أما
إن أمامك القصاص" فقال: أمرك إليها يا رسول الله.
وعن جابر بن عبد الله قال:
مرّ حمار برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كوي وجهه يفور منخراه من دم، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله من فعل هذا" ثم نهى عن الكي في الوجه والضرب
في الوجه" رواه الترمذي مختصرا ًوصححه، والأحاديث في النهي عن الكي في الوجه
كثيرة. وقد حرمت الشريعة الإسلامية تصبير البهائم – أي أن تحبس لترمى حتى تموت _
كما حرمت المثلة _ وهي قطع أطراف الحيوان _ فقد روي عن ابن عمر أنه قال: "نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل". وأخرج البخاري ومسلم
عن المنهال بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم من
مثّل بالحيوان" قال العسقلاني في شرح صحيح البخاري 8/ 84 ): وقال العقيلي: "جاء
في النهي عن صير البهيمة أحاديث جياد"، وقال ابن حجر (فتح الباري 12/65): "وفي
هذه الأحاديث تحريم تعذيب الحيوان" والتحريم يقتضي العقاب.
وكل ذلك يؤكد أن
الرفق في الإسلام خلق أصيل لا يتصف به إلا المؤمن الحق , ولا يلتزم به إلا من عرف
الإسلام معرفة الموقن بأنه الدين الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق ويرفع من شأن القيم
والفضائل.
د. بدر عبد الحميد
هميسه
الرفق زينة الأشياء |
<table> <tr> <td> google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad); </td></tr></table> |