بينما ينتشر الفقر بين العديد من سكان قطاع غزة، قرر أحد لاجئي القطاع استغلال شبكة التهريب عبر الأنفاق غير القانونية لبناء امبراطورية مالية تقدر قيمتها بملايين الجنيهات الإسترلينية.
عندما التقيت بأبو نافذ في منزله الفخم بجنوب غزة، تملكني إحساس بأني أجتمع بأحد نجوم كأس العالم من الطراز الرفيع.
يبلغ أبو نافذ من العمر 25 عاما وله لحية خفيفة وهناك إشاعات في غزة بأنه أصبح مليونيرا بفضل أنفاق التهريب المنتشرة في القطاع.
وقصة أبو نافذ ترمز للنجاح في القطاع حيث تقل الفرص من هذا النوع.
ولد أبو نافذ في مخيم للاجئين بمدينة رفح الواقعة جنوب غزة على الحدود مع مصر.
وظلت هذه المدينة لمدة خمس سنوات على الأقل تمثل جنة للمهربين إذ إن الرمال الناعمة التي تقبع فيها المدينة تكثر فيها أنفاق التهريب التي تصل رفح بمصر.
إن مجرد إزاحة الرمال عن قطعة من الأرض في رفح يجعلك تقف على العديد من الحفر.
لقد بدأ أبو نافذ العمل في أنفاق التهريب شأنه في ذلك شأن آلاف الأطفال عندما كان مراهقا لا يتجاوز عمره 17 عاما. وكان العمل مرهقا ومحفوفا بالمخاطر ويتطلب الكثير من التضحية.
وقتل المئات من الفلسطينيين بسبب هذه التجارة السرية إذ انهارت عليهم الأنفاق أو ماتوا اختناقا.
لكن أبو نافذ ما لبث أن أصبح سيد نفسه وبدأ في حفر الأنفاق الخاصة به. ويعمل لديه أكثر من مئة عامل ويشرف على تهريب بضائع إلى غزة بقيمة ملايين الجنيهات الإسترلينية.
وتشمل البضائع المهربة رقائق البطاطس والقهوة والمواقد والأبقار والسيارات الجديدة.
عندما سألته عن قيمة ما يكسبه من هذه التجارة، أجابني بابتسامة خجولة وهو يرتشف كوب شاي منعنع ''مئة ألف جنيه إسترليني (150 ألف دولار في السنة)'. لكن نظرة على قسمات وجهه أوحت بأنه ربما يكسب أكثر من المبلغ المذكور.
ويبدو أن منزل أبو نافذ الرحب ثمرة عمله في تجارة التهريب لكن الأنفاق كادت تختفي في أعقاب قرار إسرائيل تخفيف الحصار على غزة.
بضائع إسرائيلية
يقول أبو نافذ إن 80 في المئة من الأنفاق توقفت عن العمل وأصبحت عاجزة عن منافسة البضائع الرخيصة وذات الجودة العالية القادمة من إسرائيل.
وهناك شح في الموارد المالية في قطاع غزة، إذ إن 40 في المئة من السكان عاطلون عن العمل.
ورغم أن الحصار خفف عن القطاع فإنه لم يرفع تماما، ومن غير المرجح أن يشهد اقتصاد غزة انتعاشا في القريب العاجل، وليس من السهل الحصول على مواد البناء.
يقول الإسرائيليون إنهم لن يسمحوا بسوى بنقل مواد البناء المطلوبة على نحو مستعجل إلى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة.
لكن المنظمة الدولية تقول إنها لا تحصل سوى على قدر يسير من متطلباتها. ولا يزال الحصار البحري ساريا ومن ثم يحظر استيراد مواد عن طريق البحر.
ورغم تخفيف الحصار، فإن حركة الناس لا تزال تخضع للقيود ولا يسمح سوى للحالات المرضية الحرجة بمغادرة القطاع.
ورغم أن أبو نافذ رجل غني، فإنه لم يسبق له أن غادر غزة طيلة حياته، قائلا إنه حاول ذات مرة الخروج من القطاع بوسائله الخاصة لكنه اعتقل.
وعندما سألته عن البلد الذي يود أن يعيش فيه أجاب 'تركيا'. وعندما قلت له 'إن الأسطول التركي هو التي قوض فرصك التجارية بصورة غير مباشرة، أجاب قائلا 'أنا سعيد أن الحصار قد رفع والأتراك أثبتوا أنهم يهتمون بالفلسطينيين'.
ويبدو أن أبو نافذ في الوقت الراهن سعيد بمصيره إذ له منزل واسع وأموال كثيرة وزوجة جديدة وطفل صغير